شعار قسم مدونات

ومات طفل الميزان.. قصة أحد أطفال اليمن

مدونات - الميزان

كعادته يتجه الطفل أمين نحو حائط مبنى مكتب رئاسة الجمهورية بميزانه الصغير، حاله كحال غيره من الأطفال الذين أجبرتهم الظروف على ترك تعلميهم الدراسي والبحث عن لقمة العيش، عله يجد في ذلك المكان من يفكر في وزن نفسه كي يحصل على بعض النقود المعدنية التي لا تسمن ولا تغني من جوع غير أنها في نظره أهون من أن يمد يده إلى الغير بالسؤال. 

صباحا وبينما كان متكئا على ظهره أمام ميزانه وبهذه الجمل "أوزن يا عم.. أوزن يا عم"، التي يدعو بها زبائنه من المارة، في الطريق باغتته طائرات التحالف العربي بضرباتها الهمجية العشوائية، والتي لا تقل خطرا عن عدو الداخل بقتلها وتدميرها لمتلقي حمولتها القذرة من الجو والتي لم يتحملها ميزان الطفل الصغير.

تناثرت الأشلاء في المكان، الجثث في كل مكان، الجرحى يعجون بالصراخ مع كل هذا فارق طفل الميزان حياته ورحل بعيدا، وانقطع بموته خيط الأمل المتبقي لأسرته في توفير لقمة العيش التي حرم منها الشعب بأكمله، مات أمين الذي كان بمثابة عمود البيت لأسرته، رحل من كان يجلب لهم الماء والخبز لإشباع جوعهم وسد حاجاتهم الأساسية، ذهب الطفل الصغير وذهبت معه آمال أسرته.

مات طفل الميزان وبقي المكان الذي اعتاده خاليا، ربما لن يفتقده أحد من الناس ربما لن يحزن عليه أحد سوى أسرته أو أولئك الناجون فقط من الذين كانوا يتخذون بجانبه مكانا للعمل، حالهم كحال هذا الطفل مشغولون في توفير لقمة عيشهم التي أصبحت رحلة البحث عنها محفوفة بكل المخاطر والمهلكات.

إن المعاناة التي كان يعيشها طفل الميزان، لا تقل عن المعاناة التي يعيشها أغلب أطفال اليمن، معاناة هي أكبر من أن توصف في بضعة حروف.
إن المعاناة التي كان يعيشها طفل الميزان، لا تقل عن المعاناة التي يعيشها أغلب أطفال اليمن، معاناة هي أكبر من أن توصف في بضعة حروف.

ها قد ترك الجميع طفل الميزان وذهبت روحه إلى بارئها واضع ميزان العدل، ذهبت وهي تحمل معها شكاوي ودمعات وآهات ذهبت روحه لتشتكي إلى ربها بقاءها على رصيف الشارع بين موجات الصقيع وتحمُلها لحرارة شمس الظهيرة، كل ذلك لن يذهب سدى، كل من كان سببا في معانته وموته لن يمروا من ميزان الله بغير جزاء او عقاب، الله لا يرضى الظلم لعبده حاشاه تعالى وهو صاحب الميزان الأعظم الذي لا تفوته مثقال ذرة في السماوات أو في الأرض ولا أكبر من ذلك ولا أصغر.

إن المعاناة التي كان يعيشها الطفل أمين، طفل الميزان، لا تقل عن المعاناة التي يعيشها أغلب أطفال اليمن خصوصا محافظة تعز، معاناة هي أكبر من أن توصف في بضعة حروف، لا سيما والمحافظة تتعرض لقصف يومي، قصف لا يدرك التمييز بين صغير وكبير ولا يعرف حرمة لمسجد أو مدرسة قصف طال الأخضر واليابس في المدينة، قصف دمر وشرد وقتل الألاف من المواطنين الأبرياء معصومي الدماء، جثث مرمية في الشوارع أشلاء متناثرة أطفال وكبار بسيقان أو أيدي مبتورة، أسر نازحة لا تجد مأوى لقضاء الليالي الباردة أو حتى لقمة عيش، كل هذا يحدث أما مرأى ومسمع الجميع لكننا لا نعرف لماذا كل هذا الخذلان والصمت بحق هذه المحافظة!

كل ما ذكر جزء بسيط فقط مما تعيشه اليمن في الوضع الراهن، فالموظف منذ سنتين لم يستلم أي مرتب، والتعليم شبه منتهي في جميع المحافظات والخدمات الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية في أردء حالاتها.

في النهاية، سيأتي الطفل بميزانه يوم القيامة وسيأتي معه كل من طغى ونهب ودمر وشرد وقتل، سيأتي بالقاصف والآمر بالقصف، سيحاسب من شرد وقتل وقصف في تعز وصنعاء وغيرها من المحافظات، ستأتي النهاية البائسة لكل ظالم ولن يبقى إلا الشعب صاحب الحق الأكبر والكلمة الفاصلة لن تبقى إلا له، فهو المنتصر في نهاية المطاف لا محالة، لن يبقى إلا ذلك المظلوم الذي ينام على وجبة واحدة في اليوم، أو ربما قد لا يجدها، لن يبقى إلا ذلك المسكين الباحث عن لقمة عيش في أكوام القمامة، سيبقى ذلك المواطن الفقير الذي ليس له جواز دبلوماسي أو حتى رقم وطني في سجل الدولة كما لأولاد الأغنياء والفاسدين هؤلاء هم من يبقون والظالمون إلى زوال وإلى مزبلة التاريخ وكفى بالله حسيبا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.