شعار قسم مدونات

قواعد من علم الإيمان تمنع الغلو في تكفير المسلمين

blogs دعاء
هناك ثلاثة قواعد تعد من أهم القواعد الشرعية التي تتعلق بعلم الإيمان والتي تمنع الغلو في تكفير المسلمين، والمعرفة الصحيحة لعناصر أصل الإيمان والإحاطة بأحكام هذا الأصل من أهم وأدق الفقه في مسائل الإيمان وفي باب أسماء الملة وأحكامها.

القاعدة الأولى:

هناك ثلاثة أنواع من الإيمان متدرجة من الأدنى إلى الأعلى: 

النوع الأول: الإيمان الأصل الذي لا يصح الإيمان إلا به ونقصانه يعني زوال الإيمان بالكلية والوقوع في الكفر الأكبر وهذا الإيمان لا يمنع من دخول النار لأنّ صاحبه مقصر في واجبات الإيمان ولكنه يمنع من الخلود الأبدي في النار وعناصر هذا الأصل ثلاثة وهي قول القلب ويشمل المعرفة والعلم والتصديق وعمل القلب ويشمل الانقياد والتعظيم وإقرار اللسان.

النوع الثاني: الإيمان الواجب وهذا الإيمان يؤهل صاحبه لدخول الجنة ابتداء بغير عذاب ونقصانه لا يعني زوال الإيمان وعناصره إضافة إلى عناصر الإيمان الأصل أداء الواجبات والكف عن المحرمات.

والنوع الثالث: الإيمان الكامل المستحب وهذا الإيمان يتم به الكمال ويؤهل لصاحبة لنيل الدرجات العلا من الجنة والمقصر فيه ينزل منه إلى الإيمان الواجب وعناصر هذا الإيمان الكامل إضافة إلى عناصر النوعين السابقين هي أداء السنن والمندوبات والكف عن المكروهات.

هذا التقسيم من أهم الفقه في دين الله تعالى وفي باب الأسماء والأحكام وفي علم الإيمان والكفر لأنه بالتحديد الدقيق لعناصر كل قسم من أقسام الإيمان الثلاثة الخاصة به لا يحدث تداخل بين عناصر الإيمان الأصل وبين عناصر الواجب وبين عناصر المستحب فمن لم يحقق عناصر أصل الإيمان فهو كافر الكفر الأكبر المستحق للخلود الأبدي في النار ومن حقق عناصر الأصل واقتصر عليها فهو مؤمن ولكن إيمانه ناقص يستحق بسبب نقص إيمانه دخول النار إلا أنه لا يخلد فيها خلود الكافرين وآخرهم يخرج من النار إلى الجنة بشفاعة الرحمن وهم أصحاب القبضة الذين جاء الحديث أنهم دخلوا الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.

المعرفة الصحيحة لعناصر أصل الإيمان والإحاطة بأحكام هذا الأصل من أهم وأدق الفقه في مسائل الإيمان وفي باب أسماء الملة وأحكامها

ومن زاد على عناصر الإيمان الأصل ولكنه لم يبلغ الإيمان الواجب فهو ظالم لنفسه لعدم بلوغه الإيمان الواجب إلا أنه تحت المشيئة إن شاء الله تعالى أدخله النار وإن شاء عفى عنه ولكنه إن دخل النار فإنه يخرج منها متى شاء الله تعالى بشفاعة الشافعين من الأنبياء والعلماء والشهداء والصالحين.

وإن حقق المسلم عناصر الإيمان الواجب فإنه في مأمن من دخول النار ويدخل الجنة ابتداء فإن اجتهد وزاد ودخل في عناصر الإيمان المستحب وما أكثرها ترقى في درجات الجنة وفق ما أتى من أعمال الإيمان المستحب وهكذا فإن دراسة الإيمان على تلك الطريقة من الدقة والوضوح يتم من خلالها ضبط أسماء الملة وأحكامها جميعاً دونما أدنى خلل سواء بالإفراط أو التفريط.

إنّ المعرفة الصحيحة لعناصر أصل الإيمان والإحاطة بأحكام هذا الأصل من أهم وأدق الفقه في مسائل الإيمان وفي باب أسماء الملة وأحكامها وذلك لأن الإيمان الأصل هو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر الأكبر الموجب للخلود الأبدي في النار وصاحب هذا الإيمان له في الدنيا اسم الإسلام وحكمه ولا يخلد في الآخرة في النار خلود الجاحدين فمن أتى بهذا الأصل وحافظ عليه فلم ينقضه بناقض كانت له أحكام الإيمان الدنيوية والأخروية فيعامل معاملة المسلمين في الدنيا ويأخذ أحكامهم وإذا مات يغسّل ويصلى عليه ويدفن في مدافن المسلمين وتجوز عليه الرحمة التي تعم كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله معتقداً لها بقلبه تصديقاً وانقياداً.

من فوائد معرفة الحد الأدنى للإيمان ضبط أسماء الملة وأحكامها بوضوح تام يُعرف من خلاله الكافر المرتد من الكافر في إطار الملة وهكذا يستطيع طالب العلم الشرعي فضلاً عن العالم أن يضع الضوابط الصحيحة لمسائل تكفير أهل القبلة والاحتياط الراسخ فيها وعدم الخطأ في هذه المسائل دون تمييز بين من صح له أصل إيمانه ومن لم يصح له هذا الأصل ودون تمييز واضح بين نواقض الإيمان المخرجة من الملة إلى الكفر الأكبر وبين نواقص الإيمان التي تنقص من درجته ولا تنقضه بالكلية.

القاعدة الثانية

أصل الإيمان محله القلب وهو قول وعمل ولا يصح أصل الإيمان الذي وقر في القلب حتى يظهر أثره على جارحة اللسان بالإقرار وعناصر الأصل ثلاثة لا رابع لها وهي إقرار اللسان وقول القلب من العلم والتصديق وعمل القلب من الانقياد والتعظيم ولا يمكن أن يستغني الأصل عن أحد تلك العناصر الثلاث لأنه إذا انتفى إقرار اللسان لم نعلم بإيمان المرء وهذا هو كفر الجحود وإذا انتفى قول القلب التصديق حل محله كفر التكذيب أو الشك أو النفاق وإذا انتفى عمل القلب الانقياد والتعظيم حل محله كفر الاستهزاء أو كفر الاستكبار والإباء وهو كفر ابليس الرجيم أما عمل الجارحة فهو خارج عن الأصل داخل في الإيمان الفرع فإن كان واجبا دخل في الفرع الواجب وإن كان مستحبا دخل في الفرع المستحب.

القاعدة الثالثة

عمل الجارحة خارج عن أصل الإيمان داخل في الإيمان الواجب والادلة على ذلك من كتاب الله عز وجل وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا فمن ذلك أنّ الإيمان جاء مقروناً بالعمل الصالح في أكثر من خمسين موضعاً في كتاب الله عز وجل منها قوله تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" والعطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.

ومن ذلك الآيات الكثيرة في كتاب الله عز وجل الدالة على أن أصل الإيمان منبعه في القلب كقوله تعالى: "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ" وكقوله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ" وقوله تعالى: "وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" وقوله تعالى: "أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ" فدلت الآيات على أن مقر الإيمان هو القلب.

عمل الجارحة خارج عن أصل الإيمان داخل في الإيمان الواجب وبالتالي فلا يجوز التكفير بالأعمال المجردة عن الاعتقاد القلبي

ومن الأدلة على ذلك أيضاً الآيات الكثيرة في كتاب الله عز وجل الدالة على أن أصل الكفر ومنبعه أيضاً هو القلب ومنها قوله تعالى: "طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ" وقوله تعالى: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ" وقوله تعالى: "كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ" وقوله تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ" فهذه الآيات تدلنا على أن محل الكفر الأكبر هو القلب وأنه ضد لأصل الإيمان المنجي من الكفر الأكبر.

ومن الأدلة على ذلك أيضاً أنّ الإيمان جاء في كتاب الله عز وجل مقروناً بضد العمل الصالح كما في قوله تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" فعبر القرآن الكريم عن المقتتلين بلفظ الإيمان مع أن الحديث الصحيح مفاده سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فعلينا عند الجمع بين الآية والحديث أن نعلم أن المقتتلين من المسلمين لهم مسمى الإيمان بما أتوا به من الأصل وأن كفرهم في إطار الملة وليس خارجها ومثاله أيضاً قوله تعالى: "فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ" فجاء التعبير القرآني بإثبات أخوة القاتل لولي الدم المؤمن.

ومن الأدلة على صحة هذه القاعدة من السنة ما أخرجه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة والحديث يدل على أن الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما سبب لدخول الجنة وإن دخل النار بذنوبه فإنه لا يخلد فيها لأن مآله إلى الجنة.

وأخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة ففي الحديث دلالة على أن كل من شهد الشهادتين معتقداً لهما ومات على ذلك فإن مآله إلى الجنة. وأخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قال أبو ذر رضي الله عنه وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق ثلاثاً ثم قال في الرابعة على رغم أنف أبي ذر فخرج أبو ذر وهو يقول وإن رغم أنف أبي ذر.

فهذه بعض الأدلة على صحة هذه القاعدة التي تقول بان عمل الجارحة خارج عن أصل الإيمان داخل في الإيمان الواجب وبالتالي فلا يجوز التكفير بالأعمال المجردة عن الاعتقاد القلبي وهذا ما دعا الأئمة الكبار كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إلى التفريق بين تارك الصلاة جحودا فهو كافر الكفر الاكبر وتاركها تكاسلا مع اعتقاده لفرضيتها فهو كافر في إطار الملة له اسم الإيمان وحكمه فلا يكفر الكفر الاكبر الموجب للردة ولكن يُعامل معاملة المسلمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.