شعار قسم مدونات

كيف يعيق المجتمع "حق ممارسة الجنس"؟

blogs couple

عرفته من كتاباته ومنشوراته ذات الطابع العاطفي الهادئ أكثر من الواقعي الصادم، لكنه نجح هذه المرة في صدمتي بمدونته في موقع "منشور" ذات العنوان الغريب غير التقليدي "فلنتوقف عن الكذب على أنفسنا، ونبدأ حق ممارسة الجنس". لعل سبب صدمتي، معرفتي -إلى حد ما- بالشريحة القارئة لمنشوراته، وتوقعت سيلا من الانتقادات، من أصحاب القلوب العامرة، والعقول الخاوية. وأظن هذا بالتحديد ما دفع "أبو خليل" إلى تأكيده بين أسطر مدونته على فكرة "لماذا لا نفكر"، و"ماذا لو فكرنا".

ففي حين سعى أبو خليل -في وجهة نظري- إلى تصفير عداد الوعي التقليدي للقارئ، وحثه على الاتفاق والاجتماع عند نقطة الصفر، ومن ثم التقدم شيئا فشيئا في خضم معركة العادات والأعراف المزيفة، وحتى الوصول إلى وبال "بؤسنا" الذي نفتخر به، آثر آخرون المضي في هاوية العاهات الفكرية الراسخة داخل أنفسنا، موجهين أسئلة تنم عن فقر تعاطيهم مع فطرتهم، وبيئتهم، وكونهم، وإلاههم.

لم يفاجئني زج أخت الكاتب وبنته داخل تعليقات واهية، واتهامه بسعيه نشر الفاحشة في المجتمع. وظني أنه دخل منطقة الألغام هذه وهو على استعداد لما سيتعرض له. لكن الأهم من هذا كله، هو نجاح أبو خليل في تشجيع شباب مثلي في الدخول إلى هذا المعترك ومساندته فيه، وإضافة ما يدور في وجدانهم عنه.

عرض أبو خليل في مدونته عدة تساؤلات عن نظرة المجتمع إلى قضية الجنس، وهي نظرة اعتبرها تفتقر الواقعية، وتتناقض مع طبيعة الإنسان وفطرته، وسلط الضوء ناحية عديد من المسلمات التي نؤمن بها عن الجنس، ونغفل تأثيرها السلبي على حياتنا. وأنا أطالع أفكار أبو خليل وبعض التعليقات عليها، خطر ببالي المثال الذي أدرجه الكاتب العراقي علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري الذي يقول "هم لا يختلفون عن الثعلب الذي قال عن العنب إنه حامض عندما عجز عن الحصول عليه".

علينا أن نتوقف عن وضع العربة أمام الحصان، وتجنب رؤية السبب نتيجة، والنتيجة سببا، علينا أن ندرك مدى أهمية أن نصير متسامحين تجاه أنفسنا واحتياجاتنا

أرى ثمة مبالغة في موضوع التعبير عما يراود الإنسان بجنسيه الذكر والأنثى من مشاعر واحتياجات في مجتمعنا الشرق أوسطي، وأشعر أن دائما ما نبرر عجزنا في هذا الموضوع إما بنص ديني غير مفهوم جوهره، أو عادة وتقليد ورثناه عن أشخاص بائسين، عاشوا حياة ليست بالحياة التي وهبها الخالق للإنسان على هذه الأرض.

وبعيدا عن أسطوانة الغرب المنحل أخلاقيا، والشرق المحافظ دينيا، التي لا تمس للحقيقة بصلة، فالمتأمل في تاريخ مختلف الحضارات والشعوب على مر العصور، يجد عدة حلول ابتكرتها هذه المجتمعات للتجاوب مع هذا الاحتياج الأزلي. ونظرا لكون غالبية قارئي هذه الكلمات من الأخوة الشرق أوسطيين، فأود الإشارة إلى أن العصر الذهبي للإسلام نفسه لم يتعامل مع قضية الجنس، بدفن الرأس في الرمال، كما تتعامل شعوب المنطقة معها منذ عقود.

لكنني عندما أعيد التفكير في مسألة ارتباط الذكر والأنثى (الزواج) بسلسلة من قيود الأعراف والتقاليد، والأمر نفسه بالنسبة لمسألة انفصالهما (الطلاق)، أشعر بمدى قسوة هذا المجتمع على أفراده. ويا لتعاسة ذكوره وإناثه. هم مضطرون دائما للكذب والعيش في ظلام، وكتمان مشاعرهم في غيابات أنفسهم، والمتمرد على ذلك فهو ضال ومنحل في غالبية الأحيان (حتى ينجح في تحقيق مراده).

انتظر! رجاءا أغمض عينيك لثوان، وتخيل معي شاب أعجب بفتاة -لأي سبب كان- فذهب إلى والد الفتاة، وأخبره بالأمر، دون خوف أو شعور بالنقص، وبادلت الفتاة الشاب مشاعر الإعجاب، وشعر الطرفان بعد عدة لقاءات بحاجاتهما لبعضهما البعض. وقررا الزواج، وأفرغت لهما أسرة الشاب حجرة على الأقل في بيتهما حتى إعداد بيت يناسبهما حسب قدرة وعمل الشاب.

لا تتسرع في فتح عينيك، تمر السنة تلو الأخرى، ولم يتوافق الشابان في حياتهما الزوجية -لأي سبب كان- ثم قررا الانفصال -سواء وُجد أطفال أو لم يوجد- وبالفعل تم الانفصال. لكنّ المجتمع لم يُهن الفتاة بنظراته ولا أقواله. وسرعان ما بدأت من جديد حياتها لكن هذه المرة أكثر خبرة، ووعيا بماهية الحياة والجنس الآخر، وراحت تتقدم نحو أهدافها وأحلامها من جديد، ممثلة نموذجا للفراد الصالح في مجتمع متسامح.

لعلها تقابل رجل غيره لاحقا، أو تُفضل البقاء دون زوج، لكن ما أنا متأكد منه أنها لو شعرت باحتياج ومشاعر تجاه شخص جديد، فسيكون اختيارها مختلفا لا محالة عن سابقه، وستعي بالتأكيد كل خطوة تخطوها نحو شكل حياتها الجديدة، والأمر نفسه ينطبق على وضع الشاب.

من غير الممكن تخليص المجتمع من مشكلة علاقات الذكر والأنثى على أي حال، لكن علينا ألا نهملها ونواصل الحديث عنها، ومن الواجب أن تكون دافعا لتطورنا
من غير الممكن تخليص المجتمع من مشكلة علاقات الذكر والأنثى على أي حال، لكن علينا ألا نهملها ونواصل الحديث عنها، ومن الواجب أن تكون دافعا لتطورنا
 

بإمكانك فتح عينيك الآن فالحلم انتهى، وعدنا إلى الحياة المعقدة البائسة من جديد، حيث المادة أهم من الراحة النفسية والثقة، حيث يحرم الإنسان من نعمة الجنس حتى يتجاوز الثلاثين، حيث تُهان المطلقة، ويُنظر إليها وكأنها باغية، حيث المظاهر الخداعة والتعقيدات الاجتماعية، حياة لا يعلو فيها غير صوت الجهل بالحقيقة. حقيقة أنفسنا، حقيقة احتياجاتنا، حقيقة عالمنا، وحقيقة ما نؤمن به. يمكن تغيير محتوى هذا المثال الوردي كما نشاء، وملئه بنماذج أخرى كثيرة شهدناها عبر التاريخ في مجتمعنا، وما زلنا نشاهدها حتى اليوم في مجتمعات أخرى.

أعتقد أن الأصل في العلاقة بين الذكر والأنثى في عالم الإنسان، هو الثقة أو كما تسميه الأديان السماوية "الميثاق"، وطالما توفرت الثقة والاحترام بين الطرفين، فليجتمع الطرفان أمام أعين الناس. يجب أن نتوقف عن قتلهم بأفكارنا المزيفة، أودفعهم نحو الظلام. دعوهم يخوضا تجربتهما أمامكم، ويتعلما منها، بدلا من حياة مزيفة ومؤلمة ترضي التقاليد، وتطعنهما كل يوم طعنة لا تتوقف دمائها.

فاجئني أبو خليل مجددا عندما آثر الهروب عن قصد في نهاية مدونته، تاركا القراء يبحثون بين أسطرها عن أجوبة لأسئلة وماذا بعد؟ وماذا عسانا أن نفعل؟! أعي أنه من غير الممكن تخليص المجتمع من مشكلة علاقات الذكر والأنثى على أي حال، لكن علينا في نفس الوقت أن لا نهملها ونواصل الحديث عنها، ومن الواجب أن تكون دافعا لتطورنا، وسبيلا لتقدمنا في طريقنا نحو معرفة حقيقة الأشياء.

علينا أن نتوقف عن وضع العربة أمام الحصان، وتجنب رؤية السبب نتيجة، والنتيجة سببا، علينا أن ندرك مدى أهمية أن نصير متسامحين تجاه أنفسنا واحتياجاتنا، ومحاولة فهم واحترام احتياجات الآخرين، ومن ثم البدء في التغيير، وتنشئة جيل جديد بعيدا عن زيف "الآخرين".  أؤمن أنه سيأتي يوم يتحقق فيه ما يحلم به الشباب لهذا المجتمع. وأقول لـ "أبو خليل": جميلتك لن تموت. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.