شعار قسم مدونات

سلام الكوريتين.. لماذا تخلت أميركا عن شرط الديمقراطية؟

BLOGS كوريا
لم تكن بداية العام 2018 جيدة بالنسبة لرئيس كوريا الجنوبية "مون جي اين" المنصب حديثا على رأس رابع أقوى اقتصاد في العالم، فإعلانه عن مبادرة جديدة للتقارب مع الشقيق اللدود في الشمال بداية يناير عبر فريق أولمبي مشترك لهوكي الجليد لم تكن بالأمر المقبول شعبيا، فهوت بمستوى رضى الناخبين عن أداء مون إلى 67 بالمئة في يناير، وهو أدنى مستوى سجلته شركة صبر الآراء العالمية غالوب منذ 4 أشهر آنذاك.

على الرغم من رد الفعل الشعبي الرافض للمبادرة، إلا أنها ستبقى في التاريخ باعتبارها حجر الدومينو الأول المؤدي إلى سقوط ما تلاه من أحجار حتى بلوغ قمة تاريخية بين زعيمي الكوريتين انتهت إلى إعلان بداية عصر جديد من السلام على شبه الجزيرة الكورية، في انتظار سقوط الحجر الأخير أمام باب قمة "كيم جونغ أون – دونالد ترمب" المرتقبة قريبا. مخرجات القمة الكورية وبوادر السلام الدائم رفعت مستوى الرضى الشعبي عن أداء الرئيس مون إلى مستوى تاريخي لم يبلغه رئيس جنوبي قط عاما فقط بعد تنصيبه، وبلغ 78.3 بالمئة.

ردود الفعل الدولية بدت إيجابية على ما جاء به إعلان القمة، ولكنها لم تخلُ من بعض التحفظ فيما تعلق بملف حقوق الإنسان الذي لم تشمله المحادثات ولم يتناوله الإعلان. وعن هذا الخيار يقول نائب ممثل مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المعني بملف حقوق الإنسان في كوريا الشمالية "طارق الشنيتي" إن "القرار بعدم إدراج ملف حقوق الإنسان في المفاوضات مع كوريا الشمالية سيادي من كوريا الجنوبية ونحترمه، ولكن لا يمكن التغاضي عما يحدث في كوريا الشمالية. فحتى لو قرر القادة من الجانبين عدم الخوض في هذه المسألة الآن فهي ستطفو على السطح بعد أشهر لثلاثة أسباب أولها العلاقة العضوية بين المسألتين الحقوقية والنووية.

 

مهمة صعبة تلك التي تنتظر الرئيس مون لمحاولة إقناع المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، بجدوى التقارب مع كوريا الشمالية
مهمة صعبة تلك التي تنتظر الرئيس مون لمحاولة إقناع المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، بجدوى التقارب مع كوريا الشمالية
 

حتى لو حلت المسألة النووية بالتوافق ستكون هناك تبعات على حقوق الإنسان لأن التجارب النووية في الشمال تؤثر على التربة، الماء، المنظومة الزراعية وعلى البيئة، أي أن تبعات أي اتفاق نووي ستمس هذه النقاط المرتبطة بشدة بالحق في الحياة والغذاء وفي الماء الصالح للشرب". ويضيف الشنيتي قائلا إن النقطة الثانية المهمة هي ارتباط الانتهاكات في الشمال بشبهة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية التي لا زال مكتبه يدقق فيها، ولكن يؤكد أن ما رصد لحد الآن جرائم شملت التعذيب، الاختفاء القسري، التهجير القسري والاعدام خارج إطار القانون، كلها جرائم لا تسقط بالتقادم ويجب أن تساءل الحكومة الشمالية بشأنها.

أما ثالثا، فيوضح الشنيتي أنه لا يمكن الحديث عن معاهدة سلام دون التطرق إلى حقوق الإنسان، فلا توجد دولة تنعم بالسلام في ظل اختراق حقوق الانسان. ويضيف أنه حتى وإن اتفق القادة على تسوية ظرفية، فلابد من الحديث لاحقا عما تعنيه هذه التسوية بالنسبة للناس العاديين الذين "يقلقنا ألا يحمي اتفاق سلام حقوقهم".

وعما يعنيه التقارب القائم بين الكوريتين واتفاق السلام المرتقب بالنسبة للمواطنين في كوريا الشمالية يقول الناشط الحقوقي "يونغ ايل كيم" الذي فر من نظام كيم جونغ أون عام 2001 طالبا اللجوء في الجنوب، إن ما يحدث الآن لا يعني المواطن البسيط في شيء، وإن كان سيوفر جوا آمنا لاستمرار التطور في الجنوب فهو لا يعدو أن يكون محاولات من كيم جونغ أون لإنقاذ نفسه بعد أن بلغ سيف العقوبات الدولية رقبته وأصبح يبحث عن منافذ لربح الوقت وتمديد عمر النظام. ويضيف أن تحسن أوضاع الكوريين الشماليين لن يحدث إلا بزوال النظام الحالي في بيونغ يانغ.

مهمة صعبة تلك التي تنتظر الرئيس مون لمحاولة إقناع المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، بجدوى التقارب مع كوريا الشمالية، فمحاولاته الحالية للتعاون مع بيونغ يانغ تهب بعكس رياح العقوبات الأممية، وكثير من الأمل تعلقه حكومته على قمة الزعيمين كيم وترمب المرتقبة قريبا للمضي قدما في مسعاه، خاصة وأن رجل الأعمال الأمريكي لم يخف تعويله على شبه الجزيرة الكورية لنيل نوبل للسلام، تماما مثل تلك التي نالها أوباما في بداية عهدته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.