شعار قسم مدونات

أزمة الأخلاق والمجتمع.. أزمة الـ 100 عام

blogs التعصب الرياضي

أن تشاهد حكماً يركض في الملعب بشكلٍ هستيري خوفاً من رميه بزجاجة أو كرسي، مشهدٌ يثير غريزة التساؤل لديك، ما الذي فعله؟، ولماذا تم شتمه وملاحقته وضربه؟، أهو بسبب عدم اتخاذه القرار الصائب؟، أم أنه "بليد" كما وصفوه وتعّمد إثارة غضب الجمهور! على أية حال، أجد أنه من اللازم والضروري أن يتم تطبيق العقوبات الرادعة بحق مخالفي الأنظمة والتشريعات حتى يكونوا عبرةً لمن يفكر بمحاولة امتهان السلوك اللاحضاري -أعلم أنه لا فائدة من كلامٍ تقليدي كهذا- لكنني مضطر حتى لا تَصِفُوا مقالي بأنه ذو صِبغةٍ هجومية.

والآن، أعتقد أنه ربما يجدر بنا التوقف عن التَصَنُع والتَكَلُف، ما يؤلمني أن الأردن ليست كما يظن البعض، هي ليست مواكبة للمنظومة الأخلاقية الحديثة، تلك التي تمزج بين العلاقة التشاركية للمجتمع والحكومة وبين الأهداف المناطة بكلا الطرفين. من المعيب أن يكون الدوري الأردني لكرة القدم مثلاً، مثالٌ حي على تفكك المنظومة الأخلاقية للأفراد، أشعر أحياناً أن قيم الاحترام والصدق والود والألفة التي كنا ندرسها في المناهج المدرسية لم يعد لها وزن يؤثر على طريقة اختيارنا للكلمات والمصطلحات، البذيئة منها على وجه الخصوص.

عندما تنظر للتركيبة المجتمعية تجد أن هناك خللاً واضحاً في المنهجية السلوكية والتي لا تتلاءم ومقومات الحضارة الحديثة، الكثير مِنا يَدّعي أن المجتمع الأردني تربطه قيم المؤاخاة والتراث-حسناً، إذا كنتم تريدين ذلك، فهو كذلك، لكن نتائج الدراسات تُظهر أن المجتمع متفكك ولم يعد كالأسرة الواحدة، فكل تقسيمةٍ فيه أضعف من الأخرى، بالتالي لن يكون هناك توزيع حقيقي للترابط كما تعتقدون- وأنه من الضروري ذِكر قيم المجتمعات الحديثة والتي تتلخص في ثلاثة هي: العدالة الاجتماعية والاقتصاد الناضج والوعي المؤثر.

كم تمنيت أن يكون الحكم الذي تم صفعه وضربه ورميه بالزجاجات هو أحد وزرائنا ونوابنا وغيرهم من منتسبي الوظيفة لغايات "شهوة المقعد والمال والجاه والسلطة"

ومن المستحيل أن تجد هناك -أي في المجتمعات العلمانية- شخصاً يُملي على القانون رغباته، وأنه ابن العشيرة الأولى في هذه البلاد أو أن أحد أفراد عائلته من منتسبي الأجهزة الأمنية وبرتبةٍ رفيعة، ولن تجد أيضاً أن هناك من يفرض الإتاوات على الناس-وإن وُجد فهناك رادع حقيقي، وليس أن يقضي أربعة عشر يوماً في المركز الأمني ثم يخرج منه وكأن شيئاً لم يحصل- ولن تشاهد على منصات التواصل الاجتماعي أن هناك مشاجرة بالأسلحة النارية بسبب طفلين صفح أحدهما الآخر على وجهه أو لخلافٍ عائلي، ولن يُخبرك إعلامهم التفاعلي أن شُرطياً قد حرر مخالفةً لا منطقية، أو أن يرمي جمهور الدوري الممتاز مقاعد الملعب على أرضيته وجنباته وذلك فقط لأن فريقه قد تعادل أو خسر.

أنا لا أهاجم مجتمعنا، لكنني حزين على النمطية التي يسير فيها، وغير ذلك من الأمور المُعيبة والتي أخجل أن أتناولها هنا، كالمحافظة على النظافة وعدم تخريب الممتلكات العامة والخاصة، من المخجل أن تكون الأردن كدولة طاعنة في السن قد قارب عمرها من المائة عام ألا تُحدد لها منظومةً أخلاقية تحارب بها كل أشكال التخلف القمعية والتي باتت مؤرقة بالنسبة لي.

مائة عامٍ دون أن تستطيع معاقبة الفاسدين بالشكل الذي يتفق واستغلالهم لمنصبهم في سبيل احتياجاتٍ شخصية، وقد يكون مؤلماً أن أذكر مثالاً عن معاقبة أحد الفاسدين بأوكرانيا بإلقائه في القمامة، بينما هنا يتم معاقبته بمنصبٍ وسيارة ألمانية الصنع له ولأبنائه ولكل القاطنين في منطقته باستخدامها وقيادتها بعد انقضاء ساعات الدوام الرسمية، فزوجته تريد أن تشتري لقطتها طعاماً، وابنته لم تعد ترغب بقيادة سيارة والدتها، بل إنها تريد أن تفتخر قليلاً ب"النمرة الحمراء" ذو الأرقام الزوجية، وربما يستخدمها أخاه للتبضع -هذا ظاهر الطلب- من يدري ربما يستخدمها للتحرش بإحداهن أو الاعتداء على أحدهم، فقد اعتدنا أن نفتخر بما لا نملك، وأن نكافح بعرق جبينٍ آخر، وأن نأكل من ثمار شجرة باسقة، لمزارعٍ قضى عمره في تقليمها ورعايتها، لا تنسوا أيضاً قيم النفخ في القدور الفارغة.

من المُشين أن تكون النمذجة الأخلاقية هنا بهذا الشكل، وبالمناسبة، كم تمنيت أن يكون الحكم الذي تم صفعه وضربه ورميه بالزجاجات هو أحد وزرائنا ونوابنا وغيرهم من منتسبي الوظيفة لغايات "شهوة المقعد والمال والجاه والسطلة"، أن نُمزق قميصه المُقلّم، وأن نلوذ بحذائه وساعته وهاتفه إلى مكب النفايات، وربما لو كانت شحوم المال العام في بطنه أقل وزناً، لحملناه إلى أقرب حاوية، سَنُسميها "حاوية الإرادة الشعبية"، وبحلول سنواتٍ قليلة، سيكتب التاريخ والإعلام أن هذه الحاوية قد جمعت بين وزيرين، أو أنها فاضت بالمسؤولين المخضرمين، أصحاب الأيادي المطاطية والألسنة الرمادية، بهذه الطريقة والخطة الشعبية سيكون الحال الدولة الأردنية أرقى من الحاضر الذي نعيشه الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.