شعار قسم مدونات

مسيرة العودة.. القشة الأخيرة قبل الطوفان

مدونات - غزة
بعد الثلاثين من (آذار/مارس) الماضي الجمعة الأولى لمسيرة العودة والتي تغنت الحدود بإقدام أبناءها الهادرة إليها وهذه الصورة الجميلة التي كان لزاما على كل شاعر وأديب وخطيب أن يسكنها في قلب مخطوطاته، إلا أن صوت نشاذ وجدناه ينعق ليعكر صفو تلك اللوحة البهية ويخترق المسامع بما يوجع القلوب "أولئك قوم جوعى يتوسلون الحدود للخلاص من جوعهم وعوزهم".
 
نعم.. قد فرغت الحواصل الملآى فليالي الحصار الباردة فد اشتدت وطالت، ورئيس السلطة محمود عباس لم يهنأ في مخدعه الحريري وهو يرى آخر صور الكرامة الفلسطينية التي عهد على بيعها على بساط الكيان الصهيوني، وعلى أعتاب البيت الأبيض وتعلقت آماله السوداء في آخر محاولة ليكون اليد الأطول القاضية على غزة الجمال والكمال والتي تكمن كحجر عثرة في خريطة الطريق لتمهد لصفقة القرن العالمية. ووسط غمام الكربات يخرج ذاك المارد الوطني والذي وسم على جبينه مسيرة العودة الكبرى ليغير بعض الحسابات عند البعض وليتفاجأ الكثيرون بذاك الوعي الجمعي الشعبي الملتف حول هذا المشروع لمن يرى ويتابع يرى التمازج النوعي والأيدلوجي والسياسي والعلمي والعمري أيضا بين صفوف الحاضرين والمشاركين والقائمين.
 

أكبر الدول العربية المسلمة تقيم مهرجانات التطبيع مع العدو الصهيوني بل تصل بهم المواصيل إلى استمراء الخيانة العلنية ليعبر بعض علمائهم وأدبائهم بأن إسرائيل لا تعد عدو حقيقي لهم
كما كمنت الريادة في مسيرة العودة أنها التجربة الأولى للشعب الفلسطيني في خوض المسيرات السلمية وإقامة المخيمات الشعبية لنزع حقوقه القانونية ولإجبار المحتل لتنفيذ قانون 194 الذي ساقته الامم المتحدة لعودة اللاجئين لديارهم وأراضيهم التي هُجروا منها عنوة وقسرا. كما وضحت العامل النفسي المشترك بين جيليَ الأجداد الذين هُجروا والأحفاد الذين يلتصقون بالسلك الزائل لينطلق الرد جهرا وعلنا من هناك (خسئت غولدا مائير حين ظننت بأن الكبار يموتون والصغار ينسون).
 
كما أن مسيرة العودة قد مثلت قلقا واضحا في نفوس المحتلين والمتنازلين المتربصين بها يبذلون قصارى جهدهم في محاربة ذاك الوعي الجمعي وحرف بوصلته وتشتيت مساره، كما أنها مثلت القشة الأخيرة التي يحاول الغزيون التمسك فيها للخروج من حالة الغرق الذي لم يشهده التاريخ الفلسطيني لقضيتهم من قبل.. فطالما كان الفلسطينيون يحملون الحربة ضد من احتل أرضهم وقضى على سيادتهم ولكن الحاضر بأن المتخاذلين شكلوا في حياة الفلسطينيين جمع من الاعداء، رئيس السلطة يحكم الخناق على غزة وأهلها يخيرهم ما بين التجويع والتركيع متحججا بالتمكين الحكومي ليمسك المقاومة -حامية الديار- من عنقها ويرغمها على التسليم والاستسلام..
 
وأكبر الدول العربية المسلمة تقيم مهرجانات التطبيع مع العدو الصهيوني بل تصل بهم المواصيل إلى استمراء الخيانة العلنية ليعبر بعض علمائهم وأدبائهم بأن إسرائيل لا تعد عدو حقيقي لهم، وثاني يتبجح بأن تلك المزعومة لها الحق في أرض فلسطين وسفيه ثالث يدعو للسياحة في دولة إسرائيل وماذا أكتب عن الجار الجنب الذي داس على أخلاق الجيرة والقومية والدين ليجعل فتح معبر رفح أمنية كل مريض أو طالب علم أو حالم بحياة أفضل .فجدران الدول العربية ما عادت تقوي أن تسند ظهر الفلسطينيين فلا ظهراني لهم إلا من أصحاب مصالح تمثلت في دعمهم، أو شرفاء دول قد قل وجودهم على خريطة العالم الممتد ما بين قطبي الشمال والجنوب أو ضعفاء جاليات وشعوب ليس في يدهم حيلة سوى من سهم دعاء يقذفونه نحو السماء راجين من الله الإجابة والقبول.
   undefined
 
لهذا كان توجه السواد الأعظم نحو حدود بلادنا الزائلة نتغنى بمسيرة العودة الكبرى نتجول بين تضاريسها نجد أثر لكل ما هو فلسطيني إلا من بعض الرموز العليا التي تخلفت عن محك تاريخي كهذا. وودنا لو وجدنا ما يشير إلى منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، ولكن أبوا بعض أصحاب الطلقة الأولى أن يكونوا خارج السرب الفلسطيني بل يعمدوا أن ينعق بعضهم كغربان الشؤم بين فينة وأخرى وليذبحوا الجهد الفلسطيني الوحدوي بأصواتهم.

وودنا لو وجدنا خيمة يشار عليها بأنها خيمة المجلس الوطني يعقد تحتها جلسة خاصة لأجل طموحات مسيرة العودة تجمع غزة والضفة والشتات تحمل كل التنوع الفلسطيني والهم الوطني ولكن للأسف وجدناه ينعقد في ذات الوقت متشرذماً يحمل في جعبته بعض المخالفات القانونية وجامعا على مقاعده بعض المتهالكين في العمر والعطاء، لكن تملص أولئك من واجبهم الوطني لن يزيدنا إلا تحمسا وأقداما ليوم الرابع عشر من (آيار/مايو) القادم الذي سيكون برائحة مختلفة عن كل عام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.