شعار قسم مدونات

عنوسة مقنعة!

مدونات - امرأة

في دائرة غيابك، تحاول أن تحل لغز التيه وتفك شيفرة غموضك، تريد أن تتخطى الخوف من صمتك، وتحرز هدفا من تعبيرك، كما النقوش الفرعونية أنت. صمت الحجر يطغى على تعبيرها، فيستتر المعنى خلف جمودك ويحتار القارئ في الإنصات لصوت البوح المكتوم. صمت اللسان لا يقتل، لكنه صمت الروح، صمت العيون، صمت الحضن الدافئ، تموت إحداهن عطشا وهي تبحث عن نظرة، وتغزوها الكهولة قبل أوانها، هو محورها! ولكنها إذا ذبلت جفونها لا تجده، هو محورها! لكنها إذا دمعت كان هو السبب، هو محورها! لكنها إذا اشعلت شموع عشقها أطفأها ببروده.

وجع مرير ذلك الذي يصيبها، تكرار الإخفاق يسكت المشاعر، ومرض الخذلان خبيث خبيث، تحلو أشواك الطريق في عينيه ويغشى بصره عن جوهرته المرصعة بالماس عقد ربط بينهما إلى الأبد، يحبها! بالتأكيد يحبها، لكن ما ليس لنا يعجبنا أكثر. الأذن العطشى وباء تفشى بين النساء، تمر عليها الأيام لتجفف عصب روحها ولا يأتي عليها نسيم صبح يرطب نداه جوف الألم، رهيب ذلك التجاهل عند الحاجة للاهتمام، كيف يدمر مساحات ومساحات مثل سلاح صامت.

أولئك الذين يفقهون جيدا "مثنى وثلاث ورباع"، لم تشرح صدورهم "خياركم خياركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، أولئك الذين سارعوا لإطلاق اللحى، تناسوا أن فرض عليهم إطلاق الود والرحمة في بيوتهم، غفلوا عن سنته صلى الله عليه وسلم في بيته، لم يلفتهم تلطفك مع أمهات المؤمنين، لم يهتدوا لحنانه الغامر، لتودده الأنيق، لمرحه ورأفته، لمعيته المبهجة. وتلك الأخيرة شفاء لأمراض البيوت، فكن أخي معها لا عليها.

يلقي نظرات الإعجاب في الطريق ويحجبها عن بيته، يزين أسماع الأخريات ويصمت في حرمه، تعجبه الصور الصماء لبعدها، ويكبر تحت مجهره شوك وردته

رفقا بالقوارير، فإن العفيفة تتزوج لتسعد بتغريد الغزل يداعب أنوثتها، تتزوج.. لتجتاح خصلات شعرها أنامل الحب، ليلم عبراتها صدر رحيم، لتحس بالأمان لا لتفقده، لتستقر طيور عشقها المهاجرة، لا لتفنى، لتصبح ملكة لا لتشعر إنها عدم، لتحتمي بظله، لا لتغشي ظلمة ظله نورها، لتركن إلى مودته، لا لتسجد لسلطته، لتقوى به، لا لتضعف أمامه، لتكون هي، لا لتنسى من تكون.

وبعد أن يلم الزمان ما تبقى من صباها، وبعد أن تعتاد -كما الصبارة- جفاف تربتها، وفي أوج عطائها، يطلق لنفسه العنان، ويكافئ نفسه بقتلها، نعم! من حقه أن يعيش، مغامرة مراهقة، أو نزوة لذيذة، وحتى زواج رزين، تلزم فيه إحداهن دور العشيقة، التي يهرب إليها صنم من أعباء أسرة وأولاد، حتى يمر عليها الزمان وتفنى هي الأخرى في مضمار العنوسة المقنعة، ويحتفظ هو دائما لنفسه بحق الحب والحياة، ويظن أنه وهب الكثير، وهيهات للجدول الجاف أن يحيي صحراء.

وأولئك الذين الجموا أنفسهم بالرباط المقدس يحترفون القتل أيضا، الصمت يقتل في عتمة المشاعر، الود يرحل في غياب اللمسات، المرح يذبل حتى الفناء في أرض فارقتها المداعبات، في كل بيت هناك أرض غزاها التصحر، في كل حضور هناك غياب يسوده. رفقا بالقوارير، فان للحب محكمة اختل توازن عدلها، يلقي نظرات الإعجاب في الطريق ويحجبها عن بيته، يزين أسماع الأخريات ويصمت في حرمه، تعجبه الصور الصماء لبعدها، ويكبر تحت مجهره شوك وردته حتى ينسى لونها الزاهي وبتلاتها المخملية وعطرها المنبعث عطاء في كل ركن من أركان مملكته.

سيدي! ماذا لو وهبتها عمرا جديدا، ماذا لو أهديتها مغامرة عفيفة، ماذا لو بدأتها من جديد، لو عشقتها مرة أخرى وأخرى، ماذا لو عشتها مرة تلو المرة، للحب محكمة تشجب أن تقدم الهدية قربانا لأنثى واخرى تدفن في بيت الصمت، تشجب أن تضيع طاقة الحياة هباء خارج منزل انطفأت أنواره بالتجاهل، وللحب محكمة تشجب أن تكون غائبا وإن حضرت. فللعنوسة المقنعة أهوال وأهوال، من خيانة الفكر، إلى خيانة الذاكرة إلى النكران. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.