شعار قسم مدونات

لَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ

مدونات - مسلم يصلي

في سرعة الأيام وكأن الوقت لم يعد يملِكُ البَرَكة! هي قد سُلِبت منهُ بقصدٍ أو بغير ذلك، على كل حالٍ هِي ليست بقضيتنا! في تعاقب الأيام واحدٍ تلو آخر يشبهه في أدق تفاصيله كشيءٍ أسميناه روتيناً قاتِل .في غمرة ذبولِنا، ضجرِنا قلقنا شقائنا وضياعنا، شكوَتنا وتذمُرِنا من كُل أمر حولنا غارقين في سوداوية الحياة نرضى بلا سبب أو نغضب لسبب تافه.

 

عقب ماضٍ لم نع أننا فقط أسميناه كذلك ولكنا ما زِلنا نعيشُه ظانين أنهُ قد مضى أم في واقِعٍ نحنُ فيه ومستقبَلٍ خطَطنا سُطُورَه بشيءٍ يُشبِه الماضي والحاضر لحدٍ كبير. في صميم العُمر وعلى هامش الحياة لم نعِ ّ أنّ العُمُرَ والحياة خطان متوازيانِ وجب أن يكونا إما صميماً أو هامِشاً سوياً، نسينا أننا نعيش زهرة عمرنا وأنّ ما نخطوه الآن هو أساس لِما نحنُ عليه بعد حين.

 

في عُمُر العشرين وما بعده وما قبلَهُ بقليل لستَ ترى سوى وجوهٍ شاحبة قد أنهكها طُولُ المسير ولم تعِ أنها لم تقطع إلا القليل القليل من الطريق بعد. مستاؤون نحنُ، شكوانا وآهاتنا تتسابق في الظهور بين سطور منشوراتٍ باتت تملأ عالمنا الأزرق وتتصدر المراتب الأولی من حيث عدد الإعجابات وكَثرة التعليقات.

  

اجعل ﷲ نُصبَ عينك وفي قلبك اذكُره في كل وقتٍ وحينٍ فهو قريب يتقبلنا وان أخطأنا ليغفر لنا، بتلك الأمور البسيطة التي تاه جيلٌ كاملٌ وباتَ مطفأً غارقاً في الضنك بسبب أنّهُ قد غَفِلَ عنها

منذ عهد ليس بقليل لم أصادف شخصاً قمت بسؤاله عن حاله وأجابني بـ "حياة"! بكلماتٍ جعلتني أشعُر أنهُ حيٌ لم تعتلِ الهمومَ وجهه وتتشكل على هيئة العبوس، أفأفات تصاحِبُ أنفاس الجميع .يمر العمُر علی مهل لكي نعيشهُ ونستمتعَ به، نرضى ونرتضي به، واذا بنا نفعلُ النقيض تماماً. بحثتُ كثيراً عن سببٍ لكل ذلك، ابتداءً من كتب التنمية مروراً بأفضَل من قد درّب وتحدثَ عن طرق العيشِ السعيد باحثاً عن صغيرة تُعِيد لجيلنا الحياة عن تفسير صغير لكل ما يجري، جرّبتُ الكثير من الطرق المتبعة لحياة سعيدة مليئة بالحيوية ومفعمة بالنشاط والشغف وبت ضائعا أكثر ومحبطاً اكثر فكل شيء هنالك موقت تبدأ به و إذ الخمولُ ينتابُكَ قبلَ انقضاءِ رُبع الطريق فقط أو أقل، ولا أقول أن تلك الطرق لكي تصبح سعيداً سيئة بل هي مُكمِلاتٌ للسعادة وليست أساساً.

في خِضم التيه والشكوة لم نُدرِك أنّ سببَ المشكلة أمامنا و نسينا أن قرآننا الكريم يَكمُنُ فيهِ علاجٌ لكلِ مشكلة !في سورة طه وتحديدا في الآية المئة وأربعة وعشرين بقولهِ تعالی: "وَمَن أعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً " صدَق جلّ جلاله .في تفسير تلك الاية يقال أن من نسيَ ذكرَ الله وغَفلَ عنه. يضييقُ القبرُ عليهِ بعدَ موتِهِ وَقيلَ إنَّ المُرادَ بها ما هو أعَمُ أي أنَّهُ حتى وإن بقي في دنياه فإنه لا يكون منشرحَ الصدر ولا يكون مطمئن القلب.

 

ثقيلةٌ تلكَ الكلمة لِمجردِ سماعها ولكنّا نعيشُها كُل يومٍ، جيلٌ بحاله فقدَ لذة الحياة وغرِقَ في مستنقعِ التذمر وفُقدانِ الشغف تجاه الكثير، لأننا ابتعدنا عن ﷲ أعرَضنا عن ذِكرِه استمرأنا الحرامَ لأنَّ الجميع يفعلُه، نسينا قرأننا، أخرنا صلاتِنا وانشغلنا بتفاصيلِ الحياة، نسينا أنَّ إِلهنا هو بوصَلتنا لِكُلِ أمل، بهِ نستَنيرُ ونستريحُ ونستطيعُ ونهتدي، فأعتمت حياتنا وأتعبنا الطريق لاهثين فيهِ دونَ استطاعت أنّ نَبلُغَ أي شيء أو حتى اللاشيء.

 

أيقِظ بداخِلك ذكر ﷲ فـ ألا بِذكرهِ تطمَئِنُّ القُلوب، اجعل صلاتكَ مفراً لكَ مِن كُلِ أمرً، فإنَّ الصلاة عمادُ الدين وديننا حياة فاجعلها عماداً لحياتك، سجدةٌ ينسِلُّ بِها التعبُ منك، تسبيحةٌ يترفّع الكدرُ من خلالها عنك، استغفارٌ صغيرٌ يريك الحرام حراماً وإن فعلُه ألفٌ غيرُك ويبعد عنكَ وساوس الشيطان ألف خطوة، نيّة خالصة لوجههِ الكريم لكل عمل مهما صغُر، في ضيقك إنّ عزّت عليكَ الأسباب فقل لي إلهٌ سيخرجني من هذا الضيق.
 
اجعل ﷲ نُصبَ عينك وفي قلبك اذكُره في كل وقتٍ وحينٍ فهو قريب يتقبلنا وان أخطأنا ليغفر لنا، بتلك الأمور البسيطة التي تاه جيلٌ كاملٌ وباتَ مطفأً غارقاً في الضنك بسبب أنّهُ قد غَفِلَ عنها. فاذكر ﷲ يذكُرك وينير قلبك، فإن ذَكَركَ اتاك الحكمة وبالحكمة تؤتى خيراً كثيراً !وإن جارَ الزمان عليك تذكر ما قاله الشاعر أبو فراس الحمداني واسعَ لذلك.

"وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ
إذا صَحَّ منك الودّ فالكُلُّ هَيِّنٌ وكُلُّ الذي فَوقَ التُّرابِ تُراب"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.