شعار قسم مدونات

انتصاراتنا توقفت عند حلبات ذي فويس لا غير..

مدونات - الغوطة

بينما تنقطع الحبال الصوتية للنساء في مدن النكبات العربية قهرا على فقدان فلذات أكبادهن في لحظة واحدة، تنقطع حبال الجماهير في الجهة الأخرى من الأرض صراخا حماسيا لغناء معشوقهم المتباري رقم ٢ في برنامج ذي فويس رقم ٥ في آرب أيدول، وبين رقم فني يصعد، يسقط رقم شهيد آخر دون إعارة أي انتباه له! وإلى أن نقنع الضمير العربي للاستفاقة من سباته الشتوي، سنضل نراقب ذات الجماهير وهي تسعى لخوض المنافسات الغنائية دون أن نحدث أي تغيير لأولويات الشباب العربي. إنه بحد ذاته ما يجسد الفشل العربي. فهل يعقل أن تواصل هذه الأمة في إنتاج أجيال لا تعي من مأساتها سوى المرقص والمغنى؟ إذ أننا لا ننتهي من ذي فويس حتى يأتينا ذي فويس كيدز ولا ننتهي من ذي فويس كيدز حتى ننوم مغنطيسيا بآرب أيدول وهكذا دوليه إلى أن نستفيق على هزائم شنيعة لا مقدرة لنا حتى بإبداء آرائنا فيها.

 

هذه اللامبالاة العربية حيال ما تقدمه بعض القنوات التي تسيطر على نسب المشاهدة، من وجبات ترفيهية على مدار السنة، ستقودنا قريبا نحو خيبات أكبر، عندما نعي أن الغرب قد كدس جيلا من العلماء في حين أننا قد كدسنا نجوما وهمية تحترف الغناء والرقص دون الالتفات للمواهب العلمية.

 

ربما لاحظنا أن صفة عالم تنحصر في عالمنا العربي على فئة رجال الدين دون سواهم، ولا نكاد نتعرف على أسماء علماء عرب في المجالات الاخرى كالرياضيات والكمياء وغيرها إلا في المختبرات الغربية، وهذا ما يفسر الشح العربي في جوائز نوبل العلمية بخلاف العالم المصري أحمد زويل، وبقية العلماء الذين سطعت أسمائهم في العصر الحديث بالجامعات الغربية كالعالم مايكل عطية، عالم الرياضيات اللبناني وعالم الذرة الفلسطيني الأصل وأمريكي الجنسية منير حسن نايفة، وعالمة الفلك والفيزياء شادية حبال سورية الاصل امريكية الجنسية والقائمة تطول..

 

شعوب الغرب تقدر موتاها وإن مرت عليهم سنوات، بعكسنا أصبح الموت تحت نيران القنابل والبراميل حدثا عاديا لا يقدم ولا يأخر فالأمر شيئا! لذلك حري بالقنوات الإخبارية أن تغيروا كلمة عاجل لعادي

الملفت في الأمر ان جميع أولئك العلماء قد تخرجوا من جامعات ومختبرات غربية! فهذه النزعة لبزوغ اسماء العلماء العرب من خلال بوابات غربية ليس محض صدفة أبدا، فلو أنهم اكتفوا بتلقي تعليمهم في الجامعات العربية لما تفوقوا علميا بدليل ان لا أسماء لعلماء تخرجوا من جامعات محلية، فعالمنا العربي يكتفي من رفع شان المشاهير مدعي الموهبة خريجي برامج آرب أيدول وذي فويس ومن علماء الدين لا غير.

 

لم أر أمة تبلدت مشاعرها حيال ما وصلت إليه من عجز عن اختراع أبسط أمور الحياة التي تحتاجها إلى أكثرها تعقيدا غير الأمة العربية، فما دمنا عاجزين برغم الأموال الطائلة التي تكدس في سراديب الفن والحفلات الغنائية والتي جلها هابطة، لا يسعنا إلا التحسر على عجزنا من امتلاك سيارة عربية الصنع او حتى جهاز هاتف يحمل اسم ماركة عربية، ناهيك طبعا عن التبلد الذي وقعنا فيه حين نرى أشلاء القتلى في مدن النكبات دون تكليف خاطرنا بأن نقف دقيقة صمت لنواسيهم بها.

 

لا شيء أصبح ذو وطأة فينا بعد أن استرخصنا دماء أهالينا، فشتان بيننا وبين أمريكا التي تعدت 15 عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولازال الأمريكان يتباكون على قتلاهم إلى الآن ولم يكتفوا بمعاقبة الفاعل فحسب وإنما كل من شارك معه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ونحن العرب نتلقى كل يوم على مر هذه الأعوام هجمات مباشرة تزهق أرواح العديد بكل دم بارد ولم يخطر على بالنا أبدا أن نتشاور بين بعضنا لإيجاد حل جذري يخرجنا من وهم البرامج الترفيهية والمسلسلات التركية التي باتت شغلنا الشاغل.

 
شعوب الغرب تقدر موتاها وإن مرت عليهم سنوات، بعكسنا أصبح الموت تحت نيران القنابل والبراميل حدثا عاديا لا يقدم ولا يأخر فالأمر شيئا! لذلك حري بالقنوات الإخبارية أن تغيروا كلمة عاجل لعادي، على سبيل المثال، كأن تطل علينا مذيعة الأخبار وهي تقول عادي انفجار فالمنطقة د خلف قتلى وجرحى وينتهي الخبر! لأن المتباكين والمهتمين لأولئك القتلى قد غيروا تردد مشاعرهم وأسباب انهمار دموعهم لأشياء أخرى باتت أكثر وطأة عليهم، فخروج أحد المتبارين في برامج ذي فويس بات يستحق الدمع أكثر من احتراق جسد طفلة سورية.
 
طالبنا الغرب بأن ينوبنا في البكاء وفي إبداء ردة فعل حيال مأساتنا، ونسينا أن مأساتنا ليست في عدم وجود من يتعاطف معنا ويحبنا، إنما مأساتنا في شحذ انتباه الغرب بإثارة شفقتهم لا أكثر. فإن لم تعتبر أن كبرياءك هو ثروتك الوحيدة، فلا تستغرب إن سحقك الأخر الأقوى، ولكن ماذا نحن فاعلون وذي فويس خلفه سارحون .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.