شعار قسم مدونات

المغرب الفيدرالي كخيار اقتصادي

مدونات - الصحراء المغربية
التطورات الحاصلة حاليا في صحراء تمازغا بين جبهة البوليساريو والمغرب، لهي فرصة سانحة لإعادة فتح نقاش كانت قد أطلقه جمعيات أمازيغية منذ عقد من الزمان حول اعتماد نظام الحكم الذاتي بالمغرب ككل وليس فقط بالصحراء. مطلب الجمعيات الأمازيغية سنة 2007 كان يكتسي صبغة المطالب السياسية، حيث أن منطقتين فقطط (سوس والريف) طالبتا به أساس وقف استنزاف ثرواتهم لصالح المركز، أما اليوم فإن مطلب الحكم الذاتي أضحى ضرورة استراتيجية واقتصادية لضمان نموذج تنموي جديد للمغرب! فكيف ذلك؟ هذا السؤال هو ما سوف نحاول الإجابة عنه بإيجاز في هذا المقال.
  
من المعلوم أن المغرب بدأ بالتخلي عن حلمه بتحقيق التنمية عبر بوابة بالاتحاد الأوروبي وبدأ بطرق أبواب جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود. هذا التوجه الجديد بدأه باستعادته لكرسيه بالاتحاد إفريقي، ثم سعيه للانضمام للمجموعات الاقتصادية الإفريقية؛ هذا الخيار، من وجهة نظرنا، لهو التوجه الصحيح نحو وضع أسس اقتصاد مغربي متين حيث أنه يضع المغرب في محيطه الإقليمي الحقيقي؛ بيد أن استكمال هذا النموذج يفرض على المغرب مراجعة أوراقه الداخلية؛ وهذا ما لاحظناه في خطاب عاهل البلاد الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح البرلمان أكتوبر 2017 حيث قال أن "النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي" وهو شيء أكده، مرة أخرى، في الرسالة التي وجهها لمجلس المستشارين (الغرفة العليا بالمغرب) في فبراير 2018 بمناسبة المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية؛ والتي أكد فيها اللاعدالة الاجتماعية للنموذج التنموي المغربي.
 

المغرب سوف يربح أكثر لو أنه عمم نظام الحكم الذاتي وفق تقسيم واقعي لجهات المغرب؛ وأقل هذه المكاسب هو تخفيف العبء على الإدارة المركزية وتحقيق المساوات الاجتماعية

في رأينا أن هذا النموذج كان محكوما بالفشل، كونه استنسخ آليات من دول تختلف بشكل جدري عنن الواقع والعقلية المغربية؛ مع العلم أن التاريخ يعطي نموذجا أكثر ملائمة للوضعية المغربية ويمكنه المساهمة في تحسين الوضعية الاقتصادية المغربية. النموذج الذي نحن بصدد الحديث عنه هو نظام الحكم الذاتي، فهذا النظام لم يكن يوما غريبا على المغرب بل كان السمة الأساسية المشتركة على مر التاريخ إلى غاية كسر فرنسا لشوكة القبائل وإخضاعها لنظام مركزي مشترك يسهل عملية التحكم.
 
نظام الحكم هذا كان تميز، في ظل الحكم الإسلامي، بالاعتراف بسلطة السلطان المركزي (وهو أعلى سلطة دينية ومن سبط النبي) مع تمكينه من المكوس والضرائب مقابل الاستقلالية في تسيير الشأن الداخلي وتدبير الأشغال وفق ما يقتضيه عرف كل قبيلة. وقد ساهم هذا النظام بشكل كبير في الطفرة الاقتصادية والقوة السياسية التي كان يتميز بها المغرب آنذاك كما أن آثار هذا النظام الحكمي مازلنا نلمسها في بعض أوجه الحياة المغربية وكمثال نظام تسيير الأراضي السلالية.
 
إذا كان الدستور المغربي الجديد تحدث عن الجهوية الموسعة رافعة للتنمية فإن الآليات التي منحها لهذا النظام ليست كافية لتحقيق التنمية المنشودة، وتجارب الدول التي اعتمدت انظمة فيدرالية مع صلاحيات ذاتية أكثر هي خير دليل على نجاح النظام الفيدرالي في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة ونسرد على سبيل المثال لا الحصر مملكتي بيلجكا وإسبانيا ثم الطفرة الاقتصادية للولايات المتحدة والإمارات المتحدة أو النظام الفيدرالي الألماني فهذه أنظمة وبفعل إقرار سلطات واسعة للجهات تمكنت من ريادة الأعمال الدولية.

 
من جهة أخرى فإن إقرار المغرب لنظام فيدرالي جهوي سوف يمكنه من تسريع عملية إنهاء الصراع الصحراوي بحيث سوف يضع هذه البقعة أمام الأمر الواقع بل وسوف يحفظ من فاتورة أي انفصال محتمل لصحراء تمازغا عن المغرب.

باعتقادي أن المغرب سوف يربح أكثر لو أنه عمم نظام الحكم الذاتي وفق تقسيم واقعي لجهات المغرب؛ وأقل هذه المكاسب هو تخفيف العبء على الإدارة المركزية وتحقيق المساوات الاجتماعية والعدالة المجالية مع ضمان استمرار المؤسسة الملكية كمرجعية مشتركة وسلطة مركزية توحد الرؤى وتضمن التكافل بين الجهات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.