شعار قسم مدونات

أحمد خالد توفيق وملفات الحرب

blogs العسكر و الإخوان

في إحدى مقالاته "من ملفات الحرب" شبه أحمد خالد توفيق مشهد حكم محمد مرسي لمصر بعروس ريفية يستعد أهلها للزفاف، وهي غير راضية عن العريس بتاتا، وهكذا اندمجتْ في البكاء والهستيريا والأعراض النفسجسمية المعروفة؛ فما كان من أهلها والعريس إلا أن أسرعوا بخطوات الزفاف، بسرعة وحسم، يرددون دوما أنها حين تجد نفسها في بيت مغلق مع عريسها فسوف تنسى هذا كله وتندمج في دور الزوجة الشابة. أي أن علاج النفور من الزيجة هو الإسراع بها.

 

لم يقص علينا الروائي الكبير عليه رحمه الله بقية تفاصيل المشهد، فالعروس التي أحبها رجلان من أبناء عمومتها برغم ظروفها الصعبة، واتحدا لينتزعاها من براثن عمدة قريتهم ذو السطوة لم تكن منزوعة الإرادة لتزوج رغما عنها. انتظرت العروس ابن عمها "الحلو المتعايق أبو دم خفيف" فخذلها معتذرا بأنه غير جاهز للزيجة، بل ولم يجد غضاضة في أن تظل في حماية العمدة، حتى يبني نفسه. لم يكن ابن عمها الثاني ينوى أن يتقدم لخطبتها، ولكن حين وجد أن العمدة قد أزاح كل من طلب يدها ولم يبق على بابها غيره، وحين رأى انسحاب ابن عمه الأول، تقدم لينقذها فوافق نصف أهلها ما بين راض وممتعض ومضطر، ورفض النصف الآخر ما بين كاره له ومحب للعمدة.

 

توفيق لم يقبل بمرسي أو الإخوان يوما، لكنه فهم أن كبار المعارضة يعبثون بقضبان قطار مصر، وأن استدعاء الجيش لهو كارثة محققة. هذا الرجل العاقل لم يقايض بيع مصر بفشل الإخوان

وافقت العروس بحرية لم تشهد مثلها طوال عمرها، ولم تنتبها الهستيريا والأعراض النفسجسمية إلا من بعد زيارات أقاربها الرافضين، وازدرائهم لزوجها، مستواه، طريقة لبسه، طريقة حديثه، وألصقوا به وبأهله كل نقيصة، حتى كرهته العروس، طلبوا منه أن يخيرها بين أن تبقى على ذمته أو أن يخلصها، وحتى هذه اللقطة لم تطلب الزوجة الطلاق، فما كان من الأقارب إلا أن اتفقوا مع العمدة وخطفوا الزوج أملا في أن يزوجوها للعريس الأول، فباغتهم العمدة بأن عقد عليها عقدا غير شرعي. 

 

خرج أهل العروس في طرقات القرية يصرخون ببطلان الزيجة، فأطلق عليهم العمدة كلابه فقتلوا وحرقوا وعذبوا وخطفوا واغتصبوا، أما عن العريس الأول، فهو من ينطبق عليه أغنية سعاد حسنى -المطربة التي أشار إليها الكاتب- "وأهو ده اللي اتعلمنا على إيديه القهر وقوة غليانه"، يكتفي كل يوم بالحكايا والحواديت على المقهى مع أهله الذين ساعدوه والعمدة في خطف ابن عمه، وكيف أن العمدة خانه وتزوج ابنة عمه التي قبلت بابن عمها الفلاح مقابل زجاجة زيت وكيس سكر، ثم ينهي الجلسة بموال ويذهب لينام.

 

إن مشهد زواج العروس لم يكن مفرحا كما صوره الكاتب الكبير، بل لم يكن يتعدى قول سعاد حسني أيضا "بقى هي الدنيا كده، بقى هيه الناس كده، يا خسارة فرحتي، يامين ياخدني تاني يرجعني لدنيتي)، بعد أن تلاعب بها ذوى البدل والكرافاتات وقصات الشعر والعطور، ذلك النوع المبهر للفتيات، الذى يهرب دائما هروبا تكتيكيا حين تلمح البنت للزواج. وهنا ظهر ذلك الصياد الفقير الذى أنقذها والذى لم يكن يملك لها سوى حدوتة العصفور والبلبل.

  undefined

 

كنت أتمنى أن يتبنى أهل العروس الرافضين لابن عمهم البسيط الذي تزوج ابنتهم نظرة أحمد خالد توفيق. وكنت أسأل معارضي مرسي المنقلبين، لماذا لم ينتظروا أن تنتهي مدة ولايته ليتقدموا بمرشحهم؟! لماذا لم يقدموا مرشحيهم في البرلمان الجديد ليكتسحوا الإخوان وقد كانت الفرصة سانحة بجنون بعد سلسلة التشويه الممنهجة التي طالت الجماعة؟! لماذا تعاملوا مع مصر كـ (صغيرة على الديمقراطية)؟! ولم أحصل أبدا على إجابة سوى اتهامات لمرسي وجماعته، الوحيد الذي امتلك شجاعة التفسير كان هذا الكاتب الواضح حيث أجاب في أحد مقالاته بأنهم كانوا ينتوون تنفيذ مخططهم على كل حال.

 

توفيق لم يقبل بمرسي أو الإخوان يوما، لكنه فهم أن كبار المعارضة يعبثون بقضبان قطار مصر، وأن استدعاء الجيش لهو كارثة محققة. هذا الرجل العاقل لم يقايض بيع مصر بفشل الإخوان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.