شعار قسم مدونات

لا نهضة للشعوب العربية دون نهوض الفيزياء

مدونات - فيزياء

إن نهضة الشعوب ترتبط بالعلم الوضعي وخاصة علم الفيزياء أو علم الطبيعة، ماذا نعني بهذا العلم؟
إنه معرفة الطبيعة، وتهدف هذه المعرفة إلى فهم وتفسير ظواهر الكون الطبيعية والكثير من القوانينن العلمية التي تأتي إلى أذهاننا عند السماع بكلمة الفيزياء، فالقوانين العلمية ما هي إلا بيانات تُعبّر عن ظواهر مؤكّدة اختُبِرَت على مدى طويل، والفيزياء هي أداء التجارب والتأكُّد منها لإيجاد قوانين ومعرفة الطريقة التي تجري بها حياة البشر، ولتصبح القوانين كقوانين نيوتن للحركة والجاذبية الأرضية حقائق لدينا، علينا إجراء اختبار لها بشكل دقيق والنجاح في ذلك الاختبار، ويمكن استخدامها في التنبؤ مستقبلاً بأمور كثيرة، فالفيزياء هي أساس العلوم.

  

تقتضي إدراك الطبيعة من خلال معيار التجربة والتجريب. وأعتقد أن المدرسة المغربية بحاجة إلى الفيزياء لإحداث الثورة العلمية التي تراهن على محاربة الدجل والخرافة المستشرية في عموم المجتمع. أذكر هنا الفيلسوف الفرنسي إدغار موران قد أبرز في كتابه: "علم مع وعي" ص 32 أن مفاهيم العلم/ التقنية/ المجتمع / الدولة تشكل سيرورة تفاعلية مترابطة، لا يمكن النهوض بالعلم الوضعي وخاصة الفيزياء ما لم يكن هناك مجتمع يؤمن بالعلم ودولة تؤمن بالعلم من خلال توفير التقنيات والمختبرات والأبحاث وتجاوز كل ما هو نظري نصي سكولائي يعتمد على التكرار.

 

ما أبعد مدارس العالم العربي وخاصة المغرب عن الفلسفة العملية، إذ نجد المدارس تفتقد للمختبرات والتجهيزات العلمية وافتقادها للتجربة والتجريب وارتكانها على الحفظ والتكرار، وهذا يجعل منها غارقة في الفلسفة النظرية التأملية

إن الجاذبية كموضوع للدرس العلمي ليست نظرية وقانونا علميا يدرس فقط، بل تجربة علمية حية تفتح عيوننا على هذا الكون المحكوم بنظام متسق يشد بعضه بعضا. فحينما نفهم الجاذبية نفهم أن عالمنا ليس فوضى ولكي نفهمه لابد أن نفهم القانون الذي يحكمه، وإذا ما فهمنا هذا القانون فسوف نسيطر على الكون، ألا نرى في العالم العربي حالة الفوضى والخراب والدمار، ببساطة لأننا لسنا مجتمعات علمية، مازالت تؤمن أن الشمس تدور حول الأرض كما الشعوب تدور حول أوهامها والعلم يبدأ بفهم نظام الجاذبية باعتباره نظاما يتأسس على ميل الكتل والأجسام للانجذاب والتحرك نحو بعضها البعض كما في الجاذبية بين الأرض والشمس، فمتى يجذبنا العلم؟ هذا هو السؤال! 

 

لقد قال يوما أحد طلائع النهضة العربية شبلي شميل (1850-1917): "الحقيقة تقال لا تتعلم" إن الحقيقة التي يقصد شبلي شميل أننا مجتمعات ماضوية تتخذ من الماضي معيارا للحقيقة أي أننا تراثيون نجعل من نصوص الماضي مطلقة، لا التوجه نحو الواقع وجعله معيارا لدراسة الطبيعة والمجتمع، لذلك لم يتوان شبلي شميل في قول الحقيقة! والحقيقة هي أنه من اللازم في العالم العربي الرهان على العلم لخلق رجة حضارية، فإذا كانت أوروبا قد تقدمت واليابان تقدمت هي الاخرى، فإن هذا التقدم ارتبط بشكل قوي بتطور العلم الوضعي وخاصة الفيزياء، وهذا ما يسميه ديكارت في كتابه "مقالة الطريقة" الفلسفة العملية، إنها فلسفة تطبيقية وتجريبية تراهن على فهم قوانين الطبيعة للتحكم والسيطرة عليها من خلال الرهان على التجربة والتجريب، فلنستمع إلى ديكارت ماذا يقول في الكتاب المذكور: "يمكننا أن نجد بدلا من هذه الفلسفة النظرية التي تعلم في المدارس، فلسفة عملية، إذا عرفنا بواسطتها ما النار والماء والهواء والكواكب" (ص 196 ت جميل صليبا).

  
واضح من خلال مقولة ديكارت هذه دعوة صريحة إلى تجاوز الفلسفة التأملية المدرسية التي تكرر النصوص القديمة، وتبني الفلسفة العملية التي تدعو إلى دراسة الظواهر الطبيعة كالرياح والتربة وتحولات الماء، وما أبعد مدارس العالم العربي وخاصة المغرب عن الفلسفة العملية، إذ نجد المدارس تفتقد للمختبرات والتجهيزات العلمية وافتقادها للتجربة والتجريب وارتكانها على الحفظ والتكرار، وهذا يجعل منها غارقة في الفلسفة النظرية التأملية التي تقدس الماضي وتجعل من أقوال السلف حقيقة مطلقة.. 
 

إن هذا السلف يستعبدنا على نحو مدمر، يتحكم فينا من وسط القبور والأجداث، لقد صح قول أركون الذي فيه أنه في عالمنا العربي بمجرد ما ينطق أحد من الأسلاف حتى يصمت الجميع؟ فإلى متى هذا الصمت؟ أما يحق لنا كأبناء الحاضر أن نتكلم بصوت جهوري يميت الموتى ويحيي الأحياء، فهل الأموات من يحق لهم الكلام؟ أما يجدر بالأحياء أن يتكلموا بنقد جذري للجانب السيء في الماضي؟ صحيح أننا بحاجة إلى الاقتداء بالطبيب ابن بطلان (1001-1064م) الذي كان مرجع أوروبا في الطب خلال القرن 14م، ولكن فيما يفيدنا الآن؟ إننا علينا أن نتوجه رأسا إلى الأمم المتقدمة ونستفيد من تجاربها لإحداث رجة في الوطن العربي، إلا أنه علينا أن نتواضع أكثر بتذويب الماضي للتعاطي بإيجابية مع الواقع المعيش الذي نعيش فيه أكثر من أي وقت مضى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.