شعار قسم مدونات

الدب الروسي يسبح في المتوسط

مدونات - روسيا وتركيا وإيران

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل القطب الثاني للعالم اضمحل دور روسيا عالمياً وكان هم الحكومات الروسية المتتالية هو الالتحاق بالغرب، غير أن المعسكر الغربي كان حريصاً على إقصاء روسيا، وأبدا في أوكرانيا أنه يريد معاقبتها.. فما الذي تغير؟ يبدو للناظر اليوم إلى توازنات القوى في العالم أن روسيا عادت وبقوة مع تولي الرئيس بوتين الذي جلب معه إلى الحكم حلم الإمبراطورية إذ أن الصفعة التي تلقاها في ليبيا لم تمر بسلام فقرر أن يقف بوجه العالم الغربي ويقول لقد نهضت من جديد، وكانت سوريا هي نقطة ارتكازه.

فلا شك أن سوريا تعد حليفاً تاريخياً لروسيا منذ أن اتجه "عدنان المالكي" إليها للتسلح. وكذلك فيها ميناء طرطوس آخر نافذة للروس على البحر في المنطقة بعد الغزو الأمريكي للعراق وخسارة روسيا لميناء البصرة وكذلك خسارتها للموانئ الليبية بعد إسقاط نظام القذافي، فروسيا بحاجة لميناء دافئ إذ أن موانئها تبقى مجمدة لمدة ستة أشهر في السنة ولا تصلح للعمل كذلك وجود أسطول روسي في المتوسط يعتبر نقطة قوة مهمة لروسيا يؤمن له تغطية المتوسط والوصول السريع للبحر الأحمر والمحيط الأطلسي. كما أن وجودها في سوريا يمنع تدفق الغاز القطري عبر سوريا إلى أوروبا وتركيا، كما قطعت كذلك مشروع إمداد الغاز الإيراني من العراق إلى سوريا إلى أوروبا. ووقد زاد الصراع في سوريا من وتيرة استثمارات الروس فقد وقعت سوريا عقد الاستثمار البحري عن البترول مع شركة (SNG East) لمدة 25 عاماً كما وقعت مع شركة (Story Stransgaz) لتنفيذ مشروع غاز شمال المنطقة الوسطى في سوريا.

 

لا أظن أن الروس سيرضون بوجود قوات تركية على الأراضي السورية لمدة طويلة بعد أن تخضع لهم باقي المناطق المعارضة فسوريا بنظر الروس يجب أن تكون موحدة تحت سيطرتهم

كما لعب التقارب الروسي التركي دوراً مهما في مساندة روسيا للنهوض، إذ تعتبر الدولتين سليلتي إمبراطوريتين كبيرتين، وقد لعب الاقصاء الغربي لكليهما دوراً في تقاربهما من بعضهما البعض رغم عدم الثقة من كلا الدولتين بالأخرى فقد شهدت العلاقة الروسية التركية توترات بسبب المواقف المتضاربة في الموضوع السوري وكلاهما يعلم أن الآخر هو لاعب أساسي في المسألة السورية، وازداد التوتر بعد إسقاط الطائرة الروسية، إلا أن خذلان الغرب لتركيا وعدم تزويدها بالدفاع الصاروخي وكذلك الدعم الأميركي للميليشيات الكردية على حدود تركيا جعلها تقترب من روسيا وتتجاوز الخلافات وخصوصاً بعد أن أعادة تركيا قراءة توازنات القوى والواقع الجيوسياسي للمنطقة.

 

وقد برز هذا التقارب بعد فشل الانقلاب على الرئيس أردوغان وتهنئة بوتين التي نمت عن مساعدته لأردوغان في التغلب على الانقلابيين فتحول بعدها الخطاب التركي إلى خطاب قريب من روسيا ويبدو أن التنسيق بين الجانبين قائم على الأرض وقد ظهر واضحاً بين " درع الفرات" وحلب وكذلك اليوم بين عفرين والغوطة، وتعتبر روسيا المزود الأساسي لتركيا بالغاز، كما أن هنالك العديد من المشاريع والاستثمارات بين روسيا وتركيا إضافة إلا أن تركيا هي المقصد الأول لمعظم السياح الروس. غير أن هنالك بعض الأمور والمواقف غير متفق عليها، كبقاء الأسد أو رحيله، ولا تبدو الثقة بين الطرفين في أبهى حالاتها إذ أن لدى تركيا تخوف من دعم الروس للأكراد على الحدود التركية وخصوصاً أن روسيا فتحت مكتباً للأحزاب الكردية في روسيا.

 
ويبدو من خلال هذه الإضاءة البسيطة أن روسيا تسعى لخلق قطب جديد ابتداءً من الشرق، فقد عادت وبقوة إلى الساحة الدولية من خلال نفوذٍ وصل إلى البيت الأبيض، في ظل غياب سياسة أمريكية راشدة وصارمة، لكن إلى متى؟؟

 
إن اجتماعات الروس والإيرانيين والأتراك كانت دليلاً واضحاً على عدم وجود اتفاق بين الأطراف فالتصادمات الروسية الإيرانية ظاهرة لكل من يقرأ الوضع السوري، وكذلك لا أظن أن الروس سيرضون بوجود قوات تركية على الأراضي السورية لمدة طويلة بعد أن تخضع لهم باقي المناطق المعارضة فسوريا بنظر الروس يجب أن تكون موحدة تحت سيطرتهم (مستعمرة روسية يديرها المندوب السامي)، كما أني أعتقد أن تصادماً أمريكياً روسيا بات قريباً ظهرت بوادره عندما قصفت الطائرات الأمريكية رتلاً من المرتزقة الروس وارتفعت نبرة التهديد من الطرفين، ومع دعم الخليج للبقاء الأمريكي في سوريا لا بد من أن تحدث خضتين في التوازنات إن توافقتا معاً في التوقيت ستعيدان اصطفاف القوى في سوريا فيعود الأمريكان والأتراك جنباً إلى جنب ضد الروس، خصوصاً أن براغماتية الرئيس أردوغان تمكنه من التحول السريع من حلف إلى آخر ليضمن مصالحه أولاً، وكون العلاقات الروسية التركية ليست إلا  -كما يراها البعض- تحذير للغرب أن لتركيا خيار آخر قابل للتطبيق، لكن ليس لهذه العلاقات من الجدية والاستقرار ما يوحي باستمرارها، فما مصير الأكراد؟ وما مصير الأسد؟ ومن سيشعل الشرارة؟ ومتى؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.