شعار قسم مدونات

هل يدخل "كافر" الجنة؟

blogs سماء

ماذا لو كنت قد ولدت حديثا فخيروك بين أهل الأرض، خيروك بين كل هاته الأجناس والأديان، فماذا ستختار؟ قد لا تسترق ثواني في الإجابة حيث ستفضل العيش مع الغرب بعيدا عن المسلمين خاصة العرب منهم، الغرب الذي تتهمهم بالكفر والفسوق لكنهم أشد إيمانا منا. أشد إيمانا؟

إذا نظرت في غايات القرآن ستجدنا آخر من يفهمها ومن يطبقها، هذا ليس طبعا ما سمعناه على المنابر أو في القنوات الفضائية، ذاك الشيخ الذي يصرخ "نحن خلقنا لنعبد الله" بدليل "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، لكن ما الهدف من العبادة يا شيخ فالآية التي تليها توضح غنى الله عن عبادتنا "مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"، وما هي العبادة أصلا؟، لن يجيب الشيخ ولن يجيب عامة المسلمين فهم غارقون في العمل ليل نهار لتعويض النقود التي اقترضتها الدولة المؤمنة من الدولة الكافرة نظرا لتخلف الأولى وازدهار الأخيرة وفي هذا إشارة لأولي الألباب.
   
لن تحتاج لأن تكون فيلسوفا لتفهم الآيات التالية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، نعم المغزى والهدف من العبادة هو التقوى، التقوى التي ارتبط معنها في القرآن بالعمل النبيل والسلام وكف الأذى وأن لا تظلم ولا تعتدي "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" وقد قال ابن القيم "بل الدّين كله هو الخُلُق ، فمن زادَ عليك في الخُلُقِ ، فقد زاد عليك في الدين". فمن هي الأمم الأكثر تقوى، نحن! نحن الذين لم نصدر معرفة أو علما منذ أكثر من 500 سنة ونستند على كتاب ابن كثير لتفسير القرآن الذي يفوق عمره 1000 سنة نحن من تنازع أمرائنا عن الأندلس واستعان كل منهم بالفرنجة المسيحيين في الحرب ضد الإمارات الأندلسية الأخرى حتى سقطت الأندلس تحت أيديهم. حتى في مسألة الشرك لم نَسلم منها فاتبعنا أمرائنا وقدسناهم فصاروا أولياء على الدين "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا".

 

الكفر في اللغة هو تغطية الحقيقة أي رأيت شيئا فعرفت أنه الحقيقة وتيقنت من ذلك، لكن نظراً لأن كبريائك أو مصالحك تتعارض مع هاته الحقيقة قررت أن لا تسلم بها، فهل هذا هو حال كل من عرض عليه الإسلام فرفضه! بالطبع لا

حتى الآية التي نكررها في كل مَجمع "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" لا تخدم كبريائنا، ورغم أن المراد هو التقوى أي أن الوصول إليها لا يشترط دينا معينا فهي الغاية الأسمى، إلا أن حسن فرحان المالكي المفكر الاسلامي والباحث التاريخي قدم تصورا جديدا لتعريف الاسلام في القرآن ولخصه في ثلاتة أركان كما ذكر:
 
الركن الأول: الإقبال الصادق على المعلومة، وهذه أول مراجل الإسلام وأخصها به، أن تقبل بقلبك وسمعك وبصرك وضميرك على ما يقال حتى تختبره وتنظر فيه بصدق نية، لأنه في عشر مرات ذكر في القرآن الاسلام ضد التولي، إذ أن الآية الأولى: "كذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ" هنا أنت بين "إسلام" وبين.. ماذا؟ التولي، "التولي" ضده "الإقبال"، "وَقُلْ لِلَّذِين أُوتُوا الْكتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا" وهذه الآية من أصرح الآيات بأن التولي هو ضد الإسلام وهذا يعني أن الإقبال هو من معالم الإسلام وأسسه.
 
الركن الثاني: التسليم.. التسليم بتلك المعلومة والحقيقة التي وجدتها وعدم مجاحظتها لعدم تماشيها مع مصالحك وهو مأخوذ من اللفظ نفسه "الإسلام"، وهذه مرحلة تالية بعد "الإقبال" فأنت "تقبل" ثم "تسلّم" أي عكس النفاق. التسليم للحقيقة، وليس لشيخ ولا مذهب، فلذلك جاءت آيات مثل: "بلى من أسلم وجهه لله" ولا يوجد "أسلموا للنبي" لأن من الممكن أن تتبع نبيا ما لأنه من قبيلتك عكس اتباعك للإله الذي يكون مقرونا باقتناعك.
 
الركن التالت: العمل الصالح "إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى" إذاً فالمسلم هو ضد المجرم هو من يعمل الصالحات مع الإيمان ومن هنا يأتي ركن عمل الصالحات" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا".
 
أما عن الأحاديث فأركانه تنوعت من ركن واحد مثل "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" إلى خمس "روى ابن عمر: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" ورغم أن القرآن هو الأصل الذي تأخذ منه المفاهيم والأحكام إلا أن حديث الأركان الخمس اختلفت رواياته حتى أصبح من الثمانية إلى الخمسة، في تارة تحذف الشهادتين وفي تارة يضاف الغُسل.. كما أن هناك أحاديث أكثر تناسقا مع قصد القرآن "تُبايعوني على ألا تُشركُوا بالله شيئًا ولا تَسْرِقوا ولا تَزْنُوا ولا تَقتُلوا النُّفْسَ الَّتي حرَّمَ الله إلا بالحقِّ.."، قد تقول لكن الله أمر بالصلاة والصوم أيضا في القرآن، نعم، لكنه أمر بالصدق والعدل أيضاً.. لماذا هذه من أركان الإسلام وتلك ليست أركانه؟! كما أن الصلاة والصيام وسائل وليس غايات "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" لعلكم تتقون وليس لعلكم تصلون.

وهنا تأتي الفرصة لنصحح معنى الكفر الذي هو ضد التسليم، الكفر في اللغة هو تغطية الحقيقة أي رأيت شيئا فعرفت أنه الحقيقة وتيقنت من ذلك، لكن نظراً لأن كبريائك أو مصالحك تتعارض مع هاته الحقيقة قررت أن لا تسلم بها، فهل هذا هو حال كل من عرض عليه الإسلام فرفضه! بالطبع لا. لتوضيح الصورة أكثر أضرِب لكم مثل الشيخ الذي دعا يابانيا فعَرض عليه الإسلام قائلا إنه دين يأمر بقتل المرتد والمخالفين وعدم خروج المرأة من بيتها تحسباً للفتنة التي تسببها، فرفض الياباني دعوته، فهل تعتقد أنه بهذا أصبح كافراً! لا، بل إيمانه بهذا هو الكفر وكفره به إيمان، لأنه لم يكفر بالإسلام الإلهي بل كفر بالنسخة المذمومة التي صنعها الشيخ "إسلام المصالح السياسية"، وحتى لو عُرضت عليه نسخته الأصلية ذات الأركان الثلاث "الإقبال.. التسليم.. العمل الصالح" فأنت لا تستطيع أن تجزم إن كابر أم أن حجتك قاصرة ولم يقتنع، إضافة إلى أنه بعد عرض مفهوم الإسلام الصحيح القرآني (الإقبال.. التسليم.. العمل الصالح) البعيد عن تشويش السلاطين وشيوخهم في الأحاديث يتضح أننا أشد كفرا، وأنهم أشد إيمانا فقد استوفوا شروط وأركان الإسلام وحققوا الهدف الأسمى، التقوى.

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" الله من يفصل بينهم وليس أنت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.