شعار قسم مدونات

في رثاء أحمد خالد توفيق!

مدونات - أحمد خالد توفيق

يعز علىّ أن أكتب عنك ميتًا لأنك لم تمت، بل ستبقى حيًا فينا.. اليوم وبعد 56 عام رحل عنا أحد أعظم كُتاب البشرية.. رحل عنا أحمد خالد توفيق كاتب الشباب، الكاتب الذي لم يكن إلا أبًا لكل قراءه دون استثناء.. بتاريخ 2/4/2018 يودع عالمنا ذاهبًا إلى عالمٍ أفضل وتاركًا لنا إرثًا لا يُقدر بكنوز العوالمِ كلها، إرثًا من الحكايات والمقالات التي لم ولن يأتي مثلها يومًا..

 

تُرهبني فكرة أن أكتب بلغتي وأسلوبي الضعيفين عن العراب بذاته لكنني سأحاول الكتابة على أي حال لأن كتابتي وكتابة المئات غيري من المتأثرين به هي أقل ما يمكن لنا أن نقدمه الآن.. لم تطل معرفتي بد. أحمد خالد توفيق عن عامٍ ونصف قرأت له خلالهم 81 قصةً ورواية، لم أشعر في أيٍ منهم بذرةٍ من ملل..
 
أذكر جيدًا عندما اقتُرِحَ علىّ قراءة احدى روايات د. أحمد خالد توفيق والتي جعلت رحلتي الفعلية مع القراءة تبدأ "في ممر الفئران" التي انتهت بعد أسبوعٍ واحد وهو وقتٌ قصير لقارئ مبتدئ.. أذكر حينها كيف أُغرمت رغمًا عني بأسلوبٍ عظيم لم أشهده في أي شيءٍ قرأته قبلها.. اسقطتني شباك كلماته الساخرة وأسلوبه السلس كما استطاع أن يفعل من آلاف من الشباب..

 

نسيّ العراب أن يعلمنا كيف نمضي حين يمضي هو بعيدًا ليذهب إلى دارٍ لا نراه فيها.. نسيّ أن يخبرنا ماذا علينا أن نفعل عندما ننتهي من قراءة كل عوالمه التي زاراها بعقله.. نسيّ أن يفعل ذلك

لما قابلت في أحد الأيام من يقول أنه يعرف د. أحمد خالد توفيق وأنه سيأتي به إلى الجامعة في إحدى الندوات الفريدة لنادينا المبتدئ لم يستطع قلبي أن يسع الفرح التي تلقاه.. كنت أنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر.. كنت أنتظر أن أقابله لأتحدث معه وأخبره عن روايتي المتأثرة مليون بالمائة بأسلوبه وكلماته وحتى أفكاره! كنت أنتظر اليوم الذي تأتيني فيه الجرأة لأطلب بريده الإلكتروني الشخصي حتى أحدثه لمرة لكن ذلك اليوم لم يأتي..

 
لم يأتيني خبر رحيل هذا الرجل إلا كصاعقةٍ فوق رأسي.. أبيتُ إلا أن استقبلها بالبكاء الممزوج بعدم التصديق.. أيرحل عن عالمنا كاتبٌ عظيم بهكذا سهولة! حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها من أجله لا يمكن لعقلي استيعاب الأمر ولازلت أنتظر من يبعث لي برسالة ليخبرني أن هناك خطبٌ ما وأن موت الدكتور ليس إلا إشاعة سخيفة..

 

د. أحمد خالد توفيق كان مصدر إلهام لأغلبنا وكان له أسلوبٌ استفزازيّ ممتع وفريد لكُتابٍ كُثر لا استثني نفسي منهم، أسلوبٌ يرغمنا على الكتابة.. علمنا أن نكتب لنكون أحرار.. تعلما منه أن نتحرر من قيد أفكارنا ومخاوفنا بأقلامنا وبعض كلمات.. أرى الآن أنه حقٌ علىّ قول إنني لم أكن لأكتب حرفًا لو لم اقرأ لهذا الرجل.. علىّ أن أقول الآن أنني أكتب دائمًا وقد ترك بصمته في كتاباتي واليوم أكتب فقط له.. أشعر بالأسى على نفسي لأنني لم أحظى بفرصة معرفته مبكرًا.. وأشعر بالأسى على نفسي لأنني لم أستطع مقابلته يومًا بل لم أجد حتى الجرأة كي أراسله..

  

د. أحمد خالد توفيق (مواقع التواصل)
د. أحمد خالد توفيق (مواقع التواصل)

 

لما كان د. أجمد خالد توفيق سببًا في جعل الكثير من الكُتاب الشباب كُتابًا فقد استطاع أن يفك عقدة عقولنا حتى يوم رحيله عنا.. لم أقبل لثانية ألا أكتب له في هذه اللحظة، لو لم أكتب له الآن لكان هذا من قلةِ تقديري وعدم احترامي له.. لكنني أقدره وأحترمه بل وأحبه لأنه استطاع منحي قوةً لم أكن لأراها إلا بوجوده في عالمي.. لقد حقق د. أحمد خالد توفيق ما تمناه قبل أن يرحل وجعل الشباب يقرأ..
 
استطاع العراب أن يعلمنا الكثير، فتغير منظورنا للحياة فقط لأننا نقرأ له.. تعلمنا منه أن نمضي بالسخرية لأن لا شيء في الحياةِ يستحق الحزن.. لكنه نسيّ أن يعلمنا كيف نمضي حين يمضي هو بعيدًا ليذهب إلى دارٍ لا نراه فيها.. نسيّ أن يخبرنا ماذا علينا أن نفعل عندما ننتهي من قراءة كل عوالمه التي زاراها بعقله.. نسيّ أن يفعل ذلك..
 
قد كان يقول عن نفسه "أنا أعتبر نفسي ـ بلا أي تواضع ـ شخصًا مملًا إلى حد يثير الغيظ.." لكنه لم يكن كذلك أبدًا.. انتهت رحلته.. رحلة هذا الغريب في دنيانا.. الرحلة التي بدأت في عام 1992 بسلسلة ما وراء الطبيعة وانتهت في عام 2018 برواية شآبيب.. رحلة ألقت بثمارها 26 عامًا كاملين.. كنت دائمًا أحب هذه الجملة التي يقول فيها بطله رفعت إسماعيل "وحتى تحترق النجوم.."، سأقولها اليوم لذاك الأب الذي أدمانا فقده.. سنذكرك وستبقى فينا ما حيينا وحتى تحترق النجوم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.