شعار قسم مدونات

الهواتف الذكيّة تُسبب الوفاة!

blogs هاتف

مَن منا لا يملك هاتفاً "ذكياً"؟ يرافقه الهاتف أينما ذهب.. ينامُ إلى جواره ليستيقظ ويراهُ أولُّ ما يرى. لا اُبالغ إن قُلت أنهُ "الهاتف الذكيّ" صارَ جزءاً من كينونتنا إن صحت العبارة. لن انتقد هذه الظاهرة واُبيّن مدى خطورتها وسلبياتها وما إلى ذلك، ولأننا جميعاً (تقريباً) معنيون بهذا الأمر سأطرح وجهة نظري دون تحيّز وهجوم ودفاع.. وقبل كل شيء محور المقالة ليسَ الهاتف بل ما يحتويه وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ذاتُ أهميةٍ قصوى بالأخص "الفيسبوك". 

هو عالمٌ أزرق بمعنى الكلمة، قاطنوه نحن بصفحاتنا الشخصية.. وأصدقائنا الذين وافقوا كـ(شرط) على صداقتنا.. قد لا نعرف مُعظمهم الا كأسماء وصور، نُناقش من خلال التعليقات ولا نجد أحياناً سوى اللايك وأخواتها تعبيراً منا عن تفاعلنا مع الطَرح.. ولأنه عالمٌ افتراضي نجدُ مساحةً من الحرية في طرح الأفكار ومُناقشتها، وعلى الصفحات تحتدم الحوارات وكيل الاتهامات وتوجيه اللوم فهذا يشتم وذاك يتهم والآخر يكتفي بالقراءة والإحساس (حتماً) بوجوب الإدلاء بدلوه.. والكلمات المكتوبة عادةً لا تفي بالغرض.. فتمت إضافة الفيديو والبث المباشر للتعبير بشكل أفضل وتوثيق المُستجدات حتى صارَ كل مواطن في هذا العالم الازرق قادراً على نقل الحَدث كما هو.

مُجرد التفكير بـ "نِسيان الهاتف بعد خروجه من المنزل أو سقوطهُ وتعطلهُ أو فُقدانهُ في مكانٍ غادرهُ للتو" يجعله هذا التفكير مُضطرباً قَلقاً

صارَ جزء من كينونتنا أو استحوذ على نمط حياتنا، فلا يكاد يمضي يومٌ دون دخول لهذا العالم لساعاتٍ ليست قليلة حتماً. ففي واقعنا نلتمس لحظات للـ"تشييك" على الفيسبوك والردّ على رسائل الماسنجر والواتس آب واستراق بعض الوقت للاطلاع على آخر التغريدات في تويتر وما الجديد في إنستغرام؛ فتتحول اللحظات إلى يومٍ كامل قليلٌ منه واقعيّ!

نشكو من سرعة مرور الأيام، من إحساسنا الغامض بعدم الارتياح والقلق.. من عدم قدرتنا على "الإنجاز" وترتيب الأولويات.. فعلاً وقتنا ضيّق لا يتسع لكل هذه المطالب؟! فيغدو أحدنا في هذا الخِضم تائهاً ذاهلاً عن الواقع مُهتماً بكم اللايكات التي حازت عليها صورته الشخصية التي وضعها قبل قليل؟ ولمَ "أحدهم" وضع أغضبني على منشورٌ لهُ؟ ويستحوذ على تفكيره ردُّ أحد اصدقائه على تعليقٍ لهُ (أحسَّ خلال كتابته للتعليق بأنه لا يستطيع التعبير بشكل جيد عن الفكرة التي يريد إيصالها)؟ ويُثيره عدم التفاعل مع تعليقه؟! ويأخذ موقف من كل هذا!

مُجرد التفكير بـ "نِسيان الهاتف بعد خروجه من المنزل أو سقوطهُ وتعطلهُ أو فُقدانهُ في مكانٍ غادرهُ للتو" يجعله هذا التفكير مُضطرباً قَلقاً.. تبدأ الوساوس تجولُ في رأسه ويتوتر جسدهُ حتى يتأكد بأن كل شيء على ما يُرام.. كُل حين يُمسك الهاتف "لا إرادياً" كأن قوةً لا تُقاوم تحثّه على ذلك، ليتفقد "آخر إشعارات الفيسبوك وتويتر.. ما الجديد في إنستغرام؟ وما آخر حالات الواتس آب، وهل ما زال البريد الإلكتروني على حاله؟".

كل شيء على ما يُرام.. ما دام شحن الهاتف "ليسَ أقلّ من 50 بالمئة.. ما دام "شاحن" الهاتف متوفر والكهرباء كذلك.. لا يُمكن إغلاق الهاتف فكيف بنفاذ بطاريته؟ كيف سيمضي اليوم بلا إشعارات ومُكالمات ورسائل نصية وآخر الاخبار في مواقع التواصل؟ كل ذلك يُخبرنا أننا متواجدون أو أننا ما زلنا أحياء! لتجد أحدنا صارَ مُرتبطاً بالجميع افتراضيا وواقع الحال انعزال قهريّ، وحياة تفتقر للمشاعر والأصوات الحيّة والوجود الحقيقيّ بين الناس وما حولنا من طبيعة ومشاهد غابت عنّا وهي أمام أعيننا التي "تُبحلّق" بالهاتف "الذكيّ" وتطبيقاته!

حريُّ بنا أن نُدرك ارتباطنا بهذه التطبيقات وحتى بهواتفنا؛ نُدرك مَدى تأثيرها علينا والفائدة التي نجنيها من استخدامها
حريُّ بنا أن نُدرك ارتباطنا بهذه التطبيقات وحتى بهواتفنا؛ نُدرك مَدى تأثيرها علينا والفائدة التي نجنيها من استخدامها
 

يرى الآخرون سُعداء، ناجحون، مُميزون؛ الّا هو.. فأحدهم نشر صورته في آخر رحلاته وآخر يُخبر أصدقاءه عن مَدى سعادته بالتواجد في المكان الفُلاني وذاك لم يتأخر في التقاط "سيلفي" لهُ في مكان ما.. وصاحبنا يُبارك لأحدهم ويتمنى له خيراً وبركةً، ويُعزي آخر بمُصابة.. ويشعر في أثناء ذلك بالحاجة الماسّة لإثبات بأنه لا يختلف عنهم، هو مثلهم تماماً لكنهُ مُوقنٌ بأنه يفتقد ما يملكون..

يسعى جاهداً للمشاركة في هذا المحفل.. في إظهار ما يُثبت للآخرين عكس ما يظنون! فيُصيبه الارتياب ويتضاعف قلقهُ وارتباكه وشعوره بعدم الارتياح. يُصبح مُضطرب المزاج مُؤرق العينيّن حاساً باستنفاذ الطاقة والإيجابية، تُحاصره السلبيات والانفعالات المكبوتة التي حُفزت من ما وراء الشاشة!

في كل أمور حياتنا قد نُفرط أو نُفرّط.. وهُناك خيار الوسط، حريُّ بنا أن نُدرك ارتباطنا بهذه التطبيقات وحتى بهواتفنا؛ نُدرك مَدى تأثيرها علينا والفائدة التي نجنيها من استخدامها. هذه التكنولوجيا التي صُنعت لأجلنا. لأجل رفاهيتنا لا استعبادنا وضررنا.. هي ظاهرة تستدعي مَزيداً من الدراسة والتحليل للوصول الى حلول وقائية (توعوية) تَحمينا جميعاً من نتائج "هَوسنا" بالهواتف الذكية وتطبيقاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.