شعار قسم مدونات

المقاطعة بالمغرب.. سلاح من لا سلاح له

مدونات - مقاطعة بالمغرب

قبيل عدة أيام أطلق ناشطون ومدونون مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وغيرها حملات واسعة لمقاطعة بعض المنتوجات التي تعرف ارتفاعا في الأسعار، وقد ظهرت هذه الحملة قبل ذلك في تونس حيث قاطع التونسيون البضائع المستوردة من تركيا وفرنسا بسبب طغيان هذه المنتوجات الخارجية الصنع وتزايد الإقبال عليها على حساب المنتوجات المحلية التونسية وهو الأمر الذي رأى ناشطون تونسيون أنه قد يضر بالاقتصاد الداخلي، ويضعف من قيمة ومكانة المنتوجات المحلية التونسية..

 

وبعد تونس ظهرت نفس الحملة "المقاطعة" في الجزائر لكن هذه المرة كانت موجهة نحو قطاع السيارات التي عرفت ارتفاعا موغلا في الأسعار ولأجل هذا أطلق ناشطون جزائريون هاشتاغ #خليها_تصدى (دعها تتصدأ) الذي لاقى قبولا وذيوعا واسعين في صفوف الشعب الجزائري.

 

وأخيرا يأتي الدور على المغرب هذه المرة ليحذو حذو شقيقته تونس والجزائر، ويؤكد هو الآخر ويبرز مقاطعته لبعض المنتوجات المرتفعة السعر والتي عليها إقبال واسع لدى المستهلك المغربي، حيث اختار المقاطعون ثلاث منتوجات عرفت غلاء فاحشا ويتعلق الأمر بمنتوج الحليب والماء المعدني والمحروقات.

 

المغاربة مستمرون في مقاطعتهم لمدة شهر كامل حتى تحقق تخفيض الأسعار، وقد أكد الشارع المغربي أن خطوة المقاطعة هاته تعبر عن مستوى النضج والوعي الشعب

وهذه المنتوجات الثلاث تحتكرها كبريات الشركات القابضة والمسيطرة على الاقتصاد المغربي والجاثمة على رقاب الشعب المغربي الفقير إلى حد كبير.. ومن المعروف أيضا أن مالكي هذه الشركات من بارونات المال والأعمال من نخب الوزراء والمسؤولين الذين تضاعفت ثرواتهم في غضون مدد قصيرة ولا زالت في ارتفاع من جراء استغلال ثروات المغرب البرية والبحرية، وذلك على حساب ملايين الفقراء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، وسبيلهم الوحيد هو الصبر والاحتساب وتفويض الأمر للملك الحق سبحانه.

 

ولهذه الأسباب انتفض المغاربة في شمال ريف المغرب قبل عدة شهور ضد الفساد والاستبداد ونهب المال العام غداة مقتل الشاب محسن فكري، مطالبين بالكرامة والحرية والعدل.. لكن سرعان ما قوبلوا بعكس ذلك من خلال المقاربة الأمنية والترهيب والسجن والتعذيب بأبشع الصور على طريقة القرون الوسطى الظلامية بأوروبا.. ونفس الشيء بمدينة جرادة الجوهرة السوداء جنوب شرق المغرب حيث انتهج المخزن سياسة الآذان الصماء والوعود الكاذبة والمقاربة الأمنية وقمع الأصوات الحرة في الميدان..

 

ما وقع في ريف المغرب في الحسيمة وفي جرادة وما نتج عن ذلك من سياسات صماء وما يعاني منه الشعب المغربي من فقر وتهميش واحتقار طوال سنين مضت.. ونحو ذلك كلها أسباب دفعت بشباب الفيس بوك الأحرار إلى إطلاق حملة مقاطعون التي لاقت قبولا واسعا لا في العالم الافتراضي حيث ملء النشطاء الفيسبوكيون صفحات العالم الأزرق بعبارات:
مقاطعون
خليه_يريب (دعه يفسد الحليب)
المازوط_حرقوا (البنزين إحرقوه)
الماء_ديال_الله (الماء ماء الله)
وغيرها من الهاشتاغات المزلزلة التي دكت عروش مصاصي دماء الشعب.

  undefined

 

وهو ما أخرج بعض المرتزقة من الصحافة والمشاهير الخونة من جحورهم للطعن في حملة المقاطعة لأسباب واهية تعاكس إرادة الشعب الواضحة، ومن هؤلاء كذلك مدير شركة الحليب السيئة الذكر الذي اتهم المقاطعين بأانهم خونة للوطن.. وكذلك خروج وازر المالية (من الوزر) الذي لم ينتخبه أحد.. ليصف الشعب المغربي من داخل قبة البرلمان بعبارة (مداويخ) أي مغفلين، فقط لأنهم عبروا عن مقاطعتهم للغلاء.

 

لكن المغاربة لم ولن يلتفتوا لهذه الأصوات ومستمرون في مقاطعتهم لمدة شهر كامل حتى تحقق تخفيض الأسعار، وقد أكد الشارع المغربي أن خطوة المقاطعة هاته تعبر عن مستوى النضج والوعي الشعبي، وقد ثمن هذه الخطوة كذلك عدد من العلماء المغاربة أمثال الشيخ الحسن الكتاني حفظه الله، والشيخ عبد الله النهاري وغيرهم واعتبروها بادرة مباركة بإذن الله لردع المفسدين مصاصي دماء الشعب.

 

وتجدر الإشارة إلى أن سعر الحليب لدى الشركة سيئة الذكر موضوع الكلام وصل إلى 9 دراهم للتر الواحد وهو ثمن مرتفع مقارنة مع باقي الشركات، ونفس الشيء بالنسبة للماء المعدني والبنزين حيث وصل ثمن البنزين في المغرب إلى 13 درهم للتر الواحد و10 دراهم للديزل وهو في ارتفاع، السبب الذي أدى بشركات النقل إلى رفع أسعار تذاكر النقل بين المدن وهو ما أرهق كاهل فئة كبيرة من المغاربة.

 

وأخيرا وليس آخرا تجدر الإشارة إلى أن الإسلام يرفض الغلاء ويدعوا للمقاطعة كوسيلة لرفض الغلاء والمطالبة بتخفيض الأسعار، حيث روي في تاريخ دمشق لابن عساكر، وفي البداية والنهاية لابن كثير، والحلية لأبي نعيم، أنه قيل لإبراهيم بن أدهم:
إن اللحم قد غلا، فقال: أرخصوه: أي لا تشتروه.(البداية والنهاية.496/13).
وكذلك قول ثمامة بن أثال لقومه: لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.(البخاري.4372.مسلم.1767).
قال مالك: ويفرقونها هم (أي الزكاة) ولا يدفعونها إلى السلطان إذا كان لا يعدل فيها.(المدونة.392/1).
 
والله المستعان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.