شعار قسم مدونات

الجهاد الإلكتروني.. عقيدة ونضال

مدونات - لابتوب

في كل محنة موجعة تلم بالمسلمين نسأل أنفسنا السؤال المميت ذاته (ما الذي يمكننا فعله لهم؟) ليرد علينا صوت الضمير الرازح تحت وطأة الوجع والعجز (لا شيء)! فنبكي قليلا بأفضل الأحوال ثم نعتزل مواقع التواصل الاجتماعي -لان الكتابة فيها وسيلة العاجزين- ريثما نتخلص من وجع اللحظة لنعود بعد مدة إلى حياتنا الطبيعية وكأن شيئا لم يحدث لنفاجئ بكمية الخونة والعملاء والمسفهين لهذا المصاب الجلل في مواقع التواصل الاجتماعي وهنا يتضح خطئنا الأكبر أي ترك ساحة الوعي لأشباه البشر يعيثون بعقول اليافعين فسادا ويمررون مشاريعهم الوطنجية والتطبيعية والمثبطة للعزائم مستغلين انجذاب الأنظار لأحداث الساعة بينما نحن معتزلين في حفلة رثاء على الذات والأمة تحت أغطية أسرتنا.

يجب أن نواجه الواقع والعصر فاليوم المعركة ليست في ميادين القتال فقط بل في ميادين الوعي والضمير الإسلامي والإنساني كل يوم نفاجئ بصيحة خسة جديدة بدءا من تحميل الربيع العربي كل الذنب على ما مر على الأمة في العقد الأخير من ويلات ومرورا بالمناداة بالتطبيع مع العدو الصهيوني وانتهت بالمطالبة بالقبول ببشار كرئيس شرعي لسوريا لوقف نزيف الدم السوري كما يدعون وكل هذا بسبب استخفافنا بالكتابة في مواقع التواصل متناسين أنها الوسيلة التي جمعت الحشود في ساحات الحرية وأنها الوسيلة التي استخدمها أعدائنا ضدنا كذلك أفضل استخدام مرة ببث الذباب الإلكتروني ومرة باستخدام المشاهير وكثيرا ما استخدمونا نحن أنفسنا فيها عندما اقنعونا حينا أن نتخلى عن الكتابة فيها وحينا أرغمونا على ذلك بأبشع الوسائل القمعية.

الكثيرون ممن يستهينون بالنضال الإلكتروني يمنون أنفسهم بأنهم يدخرون جهدهم ليوم النضال الحقيقي على أرض المعركة ولكنهم نسوا أن هذا اليوم لن يأتي والحشود منفضة ومنقسمة على نفسها

ومع ذلك ظهرت فينا أمثلة رائعة للتصدي لتشويه الوعي مثل نضال الشعب السعودي ضد التطبيع حيث ضربوا أروع مثال للمقاومة الفكرية التي جعلت الكثير ممن كانوا يظنون أن الفلسطينيين باعوا أرضهم يصبحون هم أنفسهم دعاة للقضية بل كثيرا ما واجهوا حملات السباب التي يقال بأن بعض الفلسطينيين يشنونها ضد السعودية والسعوديين بتسامح وتجرد تامين معلنينها صراحة أنهم يعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال.

كما ضربت المرأة السعودية أروع مثال للنضال من أجل حقوقها الشرعية فكل ما تم للمرأة السعودية من منجزات اليوم كان بفضل نضالها الإلكتروني تارة بإطلاق الأوسمة للمطالبة بإسقاط الولاية وتارة بفضح المعتدين والمتحرشين والمحرضين على العنف ضدها.

ثم أن الكثيرين ممن يستهينون بالنضال الإلكتروني يمنون أنفسهم بأنهم يدخرون جهدهم ليوم النضال الحقيقي أي على أرض المعركة ولكنهم نسوا أن هذا اليوم لا يمكن أن يأتي والحشود منفضة من حولهم ومنقسمة على نفسها ومغيبة تماما عن حقيقة الصراع الأزلي بين الشرق الأوسط وأعدائه بل سيتحولون لسكينة خاصرة في جسد المقاومة بل أن انفضاض الشعوب عن قضاياها روحيا يجعل يوم المعركة الحقيقية أضغاث أحلام ثلة منبوذة من وسطها الديني والقومي والوطني.

 

فاليوم ليست إسرائيل عدونا الأول بل من ينادي بالسلام معها وليس الحكام الطغاة بل "المطبلين لهم" وليس بشار الأسد بل من يقول أنه خيار سوريا الوحيد للسلام وليست إيران أو حزب الله بل من يزعم بأنهم محور المقاومة للغرب وليس الغرب وثقافته بل من يدين لهم بالولاء الثقافي والمقتنع بملائكيتهم فقبل أن نشهر سيوفنا عليهم يجب أن نشهر أقلامنا بوجه بعضنا المعتل فكريا ونعلمهم ونعالج أفكارهم المستوردة فهؤلاء هم أبنائنا وإخواننا ممن وقعوا ضحية الجهل وحملات غسل العقول واعلموا أن السيف ليس دوما أعلى رتبة من القلم بل كثيرا ما يكون سلاح القلم أشق على الأعداء من السيف بل أن قوة القلم تخضع أشرس الطغاة وأكثرهم عتها يقول ابن الرومي:

إن يخدم القلم السيف الذي خضعت … له الرقاب ودانت خوفه الأمم
فالموت والموت لا شيء يغالبه … ما زال يتبع ما يجري به القلم
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت … أن السيوف لها مذ أرهفت خدم

امسك رمحك وسدد في أفكار الأعداء عسى أن يكتب لك الله جهاد الكلمة ويجعل تأثيرك الطيب في أمته بميزانك فلا تواجهه الله يوم الدين وأنت من المتخاذلين
امسك رمحك وسدد في أفكار الأعداء عسى أن يكتب لك الله جهاد الكلمة ويجعل تأثيرك الطيب في أمته بميزانك فلا تواجهه الله يوم الدين وأنت من المتخاذلين
 

لذا أدعوكم للنضال الممكن والضروري أي القتال في ساحات الوعي والعمل على نشر الحقائق وتفنيد الشبهات والعمل على تثقيف اليافعين المنضمين إلى طوفان المعلومات حديثا في تويتر وفيس بوك وسناب شات وفي كل مواقع التواصل الاجتماعي بكل الوسائل المشروعة والمتاحة وبالأخص ممن يملكون قدرات تأثيرية سواء لغوية أو تصويرية أو خطابية … إلخ.

فلو كنت تملك عشر متابعين فقط وأثرت بهم سيؤثر كل واحد منهم في عشرة أخرين وسينقلون تأثيرك لأقرانهم ولعوائلهم ولمتابعينهم وهكذا حتى تتسع دائرة الوعي الشريف وتغلق الأبواب بوجه المرجفين وستكون شاركت بأضعف الإيمان أي بالقول بل أكاد أقسم أن هذا أقوى الإيمان لأن توحيد الصفوف والتبشير بقيم الوحدة والحرية والإخاء والعمل على تعزيز الهوية الدينية في نفوس الشباب في عصر الكسل والخمول والأنانية لهو الجهاد والقتال الحقيقي يقول الشاعر:


يمسك الفارس رمحا بيد وأنا أمسك فيها قصبة

فكلانا بطل في حربه إن الاقلام رماح الكتبة

فامسك رمحك أيها المسلم وسدد في أفكار الأعداء عسى أن يكتب لك الله جهاد الكلمة ويجعل تأثيرك الطيب في أمته في ميزانك فلا تواجهه الله يوم الدين وأنت من القواعد المتخاذلين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.