شعار قسم مدونات

الجزائر.. وطنان داخل وطن

مدونات - علم الجزائر

تابعت الأسبوع الماضي وثائقيا بثته أحد القنوات الجزائرية حول حالة المؤسسات الطبية في الجنوب الجزائري، لفتني فيه حرص معد الوثائقي على إبراز حالة الظلم والمعاناة التي يعيشها سكان الجنوب، والتي عرفتها شخصيا ووقفت عليها حين قمت قبل سنتين بجولة في معظم مدن وقرى الجنوب الجزائري ابتداء من الجلفة وصولا إلى تمنراست مرورا بأدرار وورجلان، الذي يتجول في الصحراء الجزائرية سيجد بين الفينة والأخرى آبار بترول ناضبة ودخانا أسودا متصاعدا حين وجود آبار لازالت تدر الخيرات على الخزينة العمومية، وسيجد كذلك قرى لم تصلها بعد شبكة الكهرباء والاتصالات، بل وحتى لا يعرف أهلها جنسيتهم الأصلية، بخلاف مدن الشمال التي تولي لها الحكومة رعاية كبيرة رغم صغر المساحة، فهل شمال الجزائر وجنوبها دولتان مختلفتان أما أنهما دولة واحدة؟
 
لقد كانت ولازالت الصحراء الجزائرية محل صراع بين القوى الكبرى لما لها من أهمية اقتصادية ووجيوسياسية، جعلت فرنسا تتمسك بها بالنظر لأهميتها في الاقتصاد الفرنسي خصوصا بعد اكتشاف النفط في حاسي مسعود تلك المدينة المصنفة العاشرة عالميا على مستوى الغنى بالموارد الباطنية، لكن الذي يزورها سيفاجئ من الحالة الكارثية التي يعيشها سكانها، فلا طرق السير معبدة ولا شبكات المياه تسير وفق المقاييس العالمية، بل وحتى أنها تفتقر لمستشفى جيد كما هو الحال في العاصمة التي بها أربعة مستشفيات جامعية، في حين الجنوب الجزائري المقدرة مساحته بمليوني كيلومتر مربع لا يوجد به مستشفى جامعي واحد، وهنا مكمن الخلل فهل سكان الجنوب الجزائري اللذين يشكلون خليطا من القبائل والعرقيات هم جزائريون أم أنهم خارج تصنيف وتغطية الحكومة؟
 

لعل الحكومة هي المتسبب الرئيس في هذا الخوف والهجرة نظرا لعدم وجود مخططات تنمية عادلة بين المناطق ولو وجدت لما وقعت الجزائر في مشكل الهوية العرقية ولا في بقاء الاحتقان بمدن الجنوب

تلقي الحكومة بين الفينة والأخرى بمشروع للجنوب، آخر هذه المشاريع إنشاء خط ترامواي بمدينة ورقلة التي يعاني شبابها المقدر عددهم بحوالي ثلاثمائة ألف شاب حالة بطالة وفقر يصل أحيانا لانعدام أدنى ضروريات الحياة في البيوت، ورغم المظاهرات المتكررة لهؤلاء أمام مقر الولاية والمقرات الادارية الا أن صراخهم المكرر لم يلق آذانا صاغية، وعلى النقيض فان الحكومة تتعامل وفق مبدأ السمع والطاعة مع كل احتجاج ينظمه مجموعة سكان في مدن الشمال، فهل سكان الشمال هم الأساس في الجزائر أما سكان الجنوب هم اضافة تشكل عبئا على الجزائر في نظر الحكومة؟

  

لا يختلف اثنان في كون الحكومة تنحاز بشكل مفضوح لجهة الشمال، فتقوم ببناء المراكز التجارية والمستشفيات وعدد هائل من المدارس والإدارات في مقابل عيش منطفة الجنوب في عزلة رهيبة عن مواكبة مسيرة التقدم الخدماتي والصحي التي تعرفها جهة الشمال، وهذا ما أدى لنزوح عدد معتبر للمدن الشمالية ما جعلها مدنا مكتظة بالسكان اللذين لا يحمل أي منهم الولاء للوطن بقدر ما يحمل الولاء للقبيلة، ما يجعل الذي يعيش في المدن الجزائرية لا يعيش بالأمان نظرا لخوفه الدائم من القبيلة والعشيرة.

 

ولعل الحكومة هي المتسبب الرئيس في هذا الخوف والهجرة نظرا لعدم وجود مخططات تنمية عادلة بين المناطق ولو وجدت لما وقعت الجزائر في مشكل الهوية العرقية ولا في بقاء الاحتقان بمدن الجنوب.. ما جعل الجزائر بقعة قابلة للانفجار في أية لحظة بالنظر للتوزيع غير العادل للثروة والاجحاف في حق المنطقة الجنوبية التي يصبح العيش بها صيفا لا يطاق حين يعود الأطباء الوافدون لمدنهم الأصلية بالنظر لعدم تكوين الحكومة لأطباء واداريين كثر من المنطقة الجنوبية بل عملت منذ الاستقلال على ترسيخ فكرة تفوق الشمال على الجنوب، رغم أن الجنوب هو الذي أخرج كريبع النبهاني وباي بلعالم وعثمان بالي إلى العالم، كما أخرج الشمال محمد أركون ومالك بن نبي والشاب خالد، فالجزائري يحب أخاه أينما كان، لكنه يغضب حين لا يكون ما يقدم له مساويا لما يقدم لأخيه، فالمتسبب في حالة العنصرية هي الحكومة وليس الشعب لأنها هي التي تتزعمه لا العكس.

  
لهذا وجب على الحكومة الوعي بأن سياسة التفرقة العنصرية المقيتة التي تقوم بها ضد سكان الجنوب، سيأتي يوم ويقضى عليها إما عبر الوصول السلمي لهؤلاء أو بطرق أخرى، فإذا كان اقتسام الوزارات الحكومية والمناصب العليا في الدولة والحقائب الدبلوماسية يتم بطريقة مافيوية تمنح لكل منطقة عددا محددا من الوزارات والبنوك، فانه يجب أن يكون لسكان الجنوب الأصليين نصيب في الحقائب الحكومية والدبلوماسية، والا فان مستقبل ذلك الوطن الغريب عن وطنه لن يبشر بخير للجزائر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.