شعار قسم مدونات

مرض "الجهل بالمرض"

blogs الانتخابات المصرية

بشغف شديد شاهدت موضوع مرض "الجهل بالمرض" في برنامج "الإسبتالية" على موقع YouTube والذي يمكن تعريفه بأنه اختلال يسبب فقدان المريض لقدرته على إدراك أنه مريض أصلا، فيرى المريض أنه صحيح وسوي ويتجاهل أي عَرض مرضي يظهر عليه. وقامت الدكتورة إيمان الإمام بعرض قصة المواطن الأميركي راسل وستن حاول دخول مقر الكونجرس الأمريكي في عام 1998، وعندما منعه الحراس من الدخول إلى مقر الكونجرس أطلق النار عليهم، مما أدى إلى مقتل شخصين، وتم القبض عليه وأُحيل للمحاكمة بعدة تهم.

أقر وستن بجريمته أثناء المحاكمة بحجة أنه كان يحمي أميركا من هجوم آكلي البشر! وبعد إجراء الفحوصات الطبية والنفسية على وستن، توصل الأطباء أنه كان يعاني من مرض الفصام وهو اضطراب نفسي يؤدي إلى التصرف بشكل غير طبيعي وغير واقعي، وأيضا كان يعاني من مرض "الجهل بالمرض" أو إنكار العاهة (anosognosia)، ولذلك فهو كان غير مدرك لمرضه من الأساس، وهذا يفسر لنا سبب رفض وستن أن يتم الدفاع عنه في المحكمة على أنه مريض. دفعني شغف المعرفة للبحث أكثر عن مرض "الجهل بالمرض" فوجدت أنه يحدث نتيجة لإصابات الدماغ مثل جلطات الدماغ وإصابات الدماغ الناتجة عن حوادث، ومن ثم يعاني المريض من عجز معين وهو غير مدرك بوجود هذا العجز!

إذا وماذا بعد؟!
حول التأييد السياسي في مصر مؤخرا من مجرد التصريح بدعم النظام الحاكم إلى "كيد نسا"، فتجد كل من يؤيد النظام الحاكم لا ينكر الأخطاء السياسية والاقتصادية والفشل الزريع في كل المجالات

أحاول هنا إسقاط مرض "الجهل بالمرض" على مجتمعاتنا العربية عامة ومجتمعنا المصري على وجه الخصوص لعلني أجد ضالتي في أرض التيه التي لا نعلم كيف نخرج منها منذ عقود أو قل قرون للوصول لجذور المشكلة الأصلية، ولربما أتوصل إلى العلاقة بين هستيريا الرقص أمام اللجان الانتخابية والتأييد المطلق للأنظمة القمعية وبين مرض "الجهل بالمرض".

أوليس هذا ممكنا؟

في البداية، وحتى لا تتعطل حرية التفكير فيجب أن نقر أن لكل إنسان الحق في قبول أو رفض أية أفكار ما لم تخالف ثوابت الدين والعقيدة والتي لا يجب المساس بها بشكل قطعي، فمن حق أي إنسان أن يؤيد نظاما ما أو يعارض آخر لأن الجميع سواء أمام دولة المواطنة التي تمنح جميع أعضاءها نفس الامتيازات وتفرض على الجميع نفس الالتزامات، وبذلك أكون قد مهدت لما يلي من استنتاجات.

وكما أقررت بحرية التفكير وما يصاحبها من تأييد أو معارضة، فيحق لنا البحث فيما وراء هستيريا الرقص أمام اللجان الانتخابية والتي تعكس مدى التأييد المطلق للنظام الحاكم لعلنا نجد دواء ناجعا أو مصلا واقيا لتلك الجموع الهائجة ذات الخصور الثائرة والتي لا تمثل المجتمع المصري ككل ولكنها تهيمن على شاشات الإعلام المسيس وتُروى من معين المخابرات العامة، والمراقب للشأن المصري يدرك تماما أن الأمور لم تصل لهذا الحد من الابتذال والمسخرة كما هي الأن منذ عقود.

تحول التأييد السياسي في مصر مؤخرا من مجرد التصريح بدعم النظام الحاكم إلى "كيد نسا"، فتجد كل من يؤيد النظام الحاكم لا ينكر الأخطاء السياسية والاقتصادية والفشل الزريع في كل المجالات ولا يحاولون تقديم أية تبريرات لهذا الفشل وتلك الأخطاء بل يقرون بها ويقولون لك "عاجبنا وأنت مالك" وكأن تأييدهم السياسي حولهم إلى ملاك الوطن ونزعوا معارضيهم تحولوا إلى مقيمين غير شرعيين غير مرغوب فيهم في هذا الوطن المنكوب. هذا النوع من التأييد المطلق لا يمكن تصنيفه كموقف سياسي أو وجهة نظر ترتكز على أيديولوجية ما، بل هي مرض نادر يصيب الشعوب العربية على وجه الخصوص واستفحل في المجتمع المصري تحديدا.

أوليس من الأفضل لأباء وأمهات هؤلاء المرضى أن نشخص أبنائهم على أنهم مصابون بمرض
أوليس من الأفضل لأباء وأمهات هؤلاء المرضى أن نشخص أبنائهم على أنهم مصابون بمرض "الجهل بالمرض" بدلاً من أن نصفهم هم أنفسهم بالدياثة الوطنية؟
 

أوليس ممكنا أن يكون هؤلاء الراقصون على أنغام "قالوا أيه" 2018 و"بشرة خير" 2014 مصابون بمرض الجهل بالمرض وليسلوا مؤيدين للنظام الحالي، وذلك لأنني استشعرت بالفعل صدقهم وإخلاصهم خلال أدائهم لطقوس الولاء الانتخابية ولم استشعر رائحة الرشاوي الانتخابية في كل الهزات الوطنية، وكما أن مرض "الجهل بالمرض" قد يأتي مصاحبا لجلطات الدماغ وإصابات الدماغ الناتجة عن حوادث فمن الممكن أن يأتي مصاحبا لأغاني وطنية وخطابات حماسية وجمل عاطفية من نوعية " انتوا مش عارفين أنكم نور عنينا ولا إيه". 

أوليس من الأفضل أن نصفهم بمرضى "الجهل بالمرض" على أن نصفهم بـ "الخرفان" كما هم يصفون كل من يعارضهم؟! أوليس من الأفضل لأباء وأمهات هؤلاء المرضى أن نشخص أبنائهم على أنهم مصابون بمرض "الجهل بالمرض" بدلاً من أن نصفهم هم أنفسهم بالدياثة الوطنية؟ فأنت الأن أيها الراقص الثائر وأيتها الراقصة الوطنية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أنكم مرضى وتجهلون مرضكم أو أنكم "خرفان" بامتياز، وفي كل الحالتين لا يوجد علاج لكم. وأنت أيها الأب الوطني والأم المثالية أمام خيارين أيضا لا ثالث لهما: إما أن تكون ابنتكم مريضة بمرض "الجهل بالمرض" أو أنكم تقرون بدياثتكم الوطنية والتي يحق لكم أن تفخروا بها ولا تسعوا لإنكارها، وبذلك تنتهي حيرتي أنا والكثير من الغير القادرين على تفسير سلوكياتكم الوطنية الفريدة من نوعها ونُحيلكم إلى مستشفى الأمراض العقلية لنمنع تسلل المرض للأجيال القادمة. انجزوا واختاروا إحدى الخيارين..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.