شعار قسم مدونات

ما لو خسر أردوغان سباق الرئاسة؟

blogs أردوغان

بشكل مفاجئ وبدون مقدمات ولا تلميحات يتحدث رئيس الحزب القومي دولت بهشلتي عن إمكانية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في تركيا ثم يقوم بإجراء اتصالات مع الرئيس رجب طيب أردوغان بخصوص ذلك، فسرعان ما يستجيب الرئيس أردوغان لذلك، ويعقد اجتماعاً مطولاً معه ليخرج بعدها ويعلن أن الانتخابات الرئاسية ستكون في الرابع والعشرين من حزيران القادم.

 

الأمر لم يكن في حسابات المعارضة ولا ضمن تفكيرها في الوقت الراهن، وهي التي كانت مهيأة نفسياً وعملياً بأن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد في نوفمبر من عام 2019م، هذا القرار المباغت الذي اتخذه الرئيس التركي لم يكن سهلاً بالنسبة له ولا بسيطا في تحديد مصيره، وهل فعلاً أن إجراء انتخابات مبكرة سيعيد أردوغان للسلطة أم سيُكون الضربة القاضية له؟

 

الموضوع شائك ومعقد ولا يستطيع أحد أن يتوقعه بدقة وكل ما يُقال هي تكهنات، وهذا القرار المباغت فاجأ المعارضة التركية التي لم ترتب أوراقها جيداً لخوض الانتخابات وأحدث إرباكاً وتشنجات في صفوفها فلا هي قادرة على تجميع قواها والترويج لمرشحيها بشكلٍ كافٍ، ولا هي قادرة على التوافق على مرشح يُوحدها تُطيح من خلاله بأردوغان، فما حدث ربما كان بمثابة ضربة استباقية للمعارضة وشكّل صدمة لها؟ 

لن تخسر تركيا شيئاً لو خسر أردوغان، ولن تتغير معالمها ولا حتى ماهيتها وربما يحدث فارقاً طفيفاً في ملامحها، فالدولة القائمة على المؤسسات لا تؤمن بالشخوص

ويبقى السؤال.. ما احتمالية أن تتوافق المعارضة على مرشح يكون منافساً قوياً لأردوغان ويطيح به؟ الاحتمال وارد وبشكلٍّ قويٍّ وحتى تُطيح المعارضة بأردوغان يلزمها أن تتوافق الأحزاب والقوى المعارضة على مرشح يوحدها لمواجهة أردوغان، وبخلاف ذلك يصعب عليها الإطاحة به، وربما تكمن مخاوف أردوغان وقلقه من خسارة الانتخابات من توافق المعارضة، ولكن إذا بقيت المعارضة متفرقة فإن هذا بكل تأكيد سيصبُّ في مصلحة الرئيس أردوغان ويُعزز فرصة نجاحه، واتفاق القوى والأحزاب المعارضة على مرشح واحد ذو شخصية تحظى بقبول الشارع يُوحد أطيافها سيحدث فارقاً في الشارع التركي ويخلط الأوراق وربما يُعجل الإطاحة بأردوغان، وهذا أكثر ما يُخيف أردوغان.

 

ونظراً لانتشار الشائعات حول إمكانية ترشح الرئيس السابق عبد الله غول للانتخابات المبكرة ربما يُحاول أردوغان استباق الأحداث وفتح صفحة جديدة مع غول من أجل ثنيه عن خوض سباق الرئاسة، فالإطاحة بأردوغان أمراً صعباً وليس سهلاً، وفي ذات الوقت ممكناً ومتوقعاً.

فماذا لو خسر أردوغان؟

من وجهة نظري لن تخسر تركيا شيئاً لو خسر أردوغان، ولن تتغير معالمها ولا حتى ماهيتها وربما يحدث فارقاً طفيفاً في ملامحها، فالدولة القائمة على المؤسسات لا تؤمن بالشخوص، فالمؤسسات هي تحكم بخطوطها العريضة والرئيس يتحرك ضمنها، وتحتكم إلى الدستور الذي يفصل بين السلطات فلا يستطيع الرئيس تجاوز مواد الدستور وإذا فعل ذلك سيتم إيقافه ومسألته، لكن الشعوب العربية المغلوبة على أمرها التي تعودت على تأليه الزعماء وتمجيدهم وحدها ستندب حظها وتلطم على خدودها وتشق جيوبها وتقضي ليلها عويلاً ونهارها نحيباً لأن الرئيس أردوغان لم يحالفه الحظ لأنها ترى أن شخص أردوغان أهم من الدولة التركية، بسيطة هذه الشعوب حد السذاجة تظن أن الشعوب الأخرى تُفكر مثلها.

الأنظمة العربية حقدها لا يزول، فلو احتلت أمريكا كل الأمة، ما ضرّهم ذلك شيئاً لكنهم يُصابون بالجنون لو سمعوا أن تركيا بزعامة أردوغان تُحاول أن تحافظ على حدودها وأمنها
الأنظمة العربية حقدها لا يزول، فلو احتلت أمريكا كل الأمة، ما ضرّهم ذلك شيئاً لكنهم يُصابون بالجنون لو سمعوا أن تركيا بزعامة أردوغان تُحاول أن تحافظ على حدودها وأمنها
 

وربما سيكون أكثر الفرحين بخسارة أردوغان ليس المعارضة التي تسعى للإطاحة به منذ زمن، ومن حقها إذا أطاحت به من خلال الصناديق أن تكون فرِحة ومسرورة بذلك، فمنذ استلام أردوغان وحزبه العدالة والتنمية زمام السلطة لم تستطع المعارضة أن تُطيح به وما زالت تسعى لذلك، لكن الأنظمة العربية المهترئة المغلقة على ذاتها والتي لا تعرف طريق الديمقراطية ولم تمارس أبجدياتها، وفي حال خسارة أردوغان ستفرح هذه الأنظمة وسيفرح معها إعلامها وأبواقها فرحاً ويتراقصون طرباً ويكأنها أعادت فتح الأندلس، هذه الأنظمة لديها عقدة النقص والعداوة مع أردوغان وليست خصومة، فالخصومة في السياسة شرف وتكون بين النبلاء لكن العداوة كيد وبُغض ويفعلها الجهلاء.

هل سنسمع لاحقاً ونقرأ في الصحف الغربية أن دولاً عربياً أنفقت أموالاً طائلة ومولت حملة انتخابية بأكملها لمن سيواجه أردوغان؟ تلك الأنظمة عقدتها لا تنفك، وحقدها لا يزول، وهذه الأنظمة وأبواقها لا مشكلة لديهم لو احتلت أمريكا كل الأمة وهي محتلة لها، ولو انتهكت روسيا كل حُرمات الأمة واستباحت مقدراتها وهي فعلت ذلك وأكثر لما ضرّهم ذلك شيئاً ولا غاظهم، ولرأيتهم يصفقون للروس ولهم يدعمون، ويهللون للأمريكان ويدفعون، لكنهم يُصابون بالويل والجنون لو سمعوا أن تركيا بزعامة أردوغان تُحاول أن تحافظ على حدودها وأمنها وتعسى لنيل استقلالها وسيادتها ثمَّ لرأيتهم يقولون في تركيا ما ليس فيها ولاعتبروها بمثابة دولة احتلال، هؤلاء هم أقذر البشر وأحطّهم على الإطلاق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.