شعار قسم مدونات

المصريون.. إن كانوا لا يستحقون الحياة فهل يستحقون الحرق؟

blogs الشعب المصري

تعالت أصوات مختلفة في الفترة الماضية تهاجم الشعب المصري وتتهمه بالجبن والضعف وغياب الوعي وأنه شعب من العبيد للعسكر، ووصلت هذه الأصوات في لحظات تجلي ومبالغة مع شدة الغضب وغياب الوعي إلى أن الشعب المصري يستحق "الحرق" لتحليه بهذه الصفات السلبية من وجهة نظره، وتزداد نبرة وحدَّة هذه الأصوات كلما تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، أو كلما بدأ الشعب المصري في التململ والاعتراض خاصة حين يكون هذا التململ والاعتراض تحت ذريعة الأوضاع الاقتصادية، لتبدأ سيمفونية الهجوم على الشعب وأنه لا يتحرك إلا من أجل لقمة العيش أو من أجل احتياجاته الدنيوية، لكنه لم يتحرك من أجل المطالب السياسية أو من أجل الشهداء والمعتقلين.

إن خروج الناس للمطالبة باحتياجاتهم المعيشية والمالية أمر كفله الإسلام بل ومن مات على ذلك فهو شهيد قال ﷺ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) ومخطئ جدا من يسب الشعب المستضعف أو يشمت فيه لأنه بدأ يتحرك من أجل لقمة العيش، وكأن مطالبة الشعب بحقوقه أمر غير مشروع، أو وكأن دور هذا الشعب أن يتبع السياسيين فقط بدون أن يشعر أننا نتبنى بصدق احتياجاته وحقوقه!

نعم ليس هناك ثورة جياع بالمعنى الحرفي لأنها تتحول إلى فوضى يمكن للأنظمة احتواؤها أو توجيهها، لكن ليس هناك ثورة أيضا بلا اجتماع شرائح الشعب المظلوم، لذا يجب أن نضم هؤلاء المظلومين للكتلة الثورية الحرجة أو على الأقل نعمل على توعيتهم ليتحولوا إلى حاضنة شعبية حقيقية داعمة للثورة.

بوضوح علينا أن ندعم ونشارك في كل حراك شعبي ضد عصابة العسكر لكن لا نتوقع منه الكثير حتى لا نصاب بالإحباط، والفائدة الحقيقية أن يتكرر الأمر وينتشر جغرافيا لتزيد الحاضنة الثورية والكتلة الصلبة الفاعلة في ظل مشروع ثوري حقيقي وقيادة ثورية حقيقية.

هناك من يتحرك من أجل (الخبز) وهناك من يتحرك من أجل (المعتقلين) وهناك من يتحرك من أجل أسباب أخرى، وكلها أسباب مشروعة فأكملوا أنتم نقصهم بتوعيتهم بدينهم وحقوقهم ودافعوا عنهم

وفي هذا السياق يقول بعض المحسوبين على ثورات الربيع العربي: الشعب عاوز الحرق ولا يستحق تضحياتنا معه، وهما اللي عملوا فينا وفي نفسهم كده، واخوتنا ماتوا بسببهم، واعتقلنا بسببهم، ورقصوا علي دمنا؛ وهؤلاء في الحقيقة يقدمون أكبر الخدمات لأعدائنا في صرف الشعب عنا.

نقول.. حتى لو قصر الشعب معنا، فدورنا توعيتهم ودعوتهم وتبني حقوقهم وليس الشماتة فيهم.. حتى رسول الله وهو الحق الصافي قال لمن هم أسوأ منهم حين ضربوه (اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي) ولم يقل (دول عاوزين الحرق) ومع أن كفار قريش قتلوا من أصحاب النبي لكنه كان يحب لهم الهداية والإيمان وليس القتل والذبح وإنما قاتل من استمر على قتاله منهم وليس كل من وقف ضده في يوم من الأيام، وفي حديث هرقل المشهور مع أبي سفيان سأله عن النبي ﷺ وقال بم يأمركم قال يأمرنا (بالصلاة والصلة والصدقة والعفاف) والصلاة هنا هي علاقة عبودية بين العبد وربه أما الثلاث أوامر الأخرى فكلها متعلقة بالمجتمع وحقوقه واحتياجاته .

وكذلك يوم فتح مكة فرق النبي صلى الله عليه وسلم بشكل واضح بين 3 فئات وكيفية التعامل معهم:
* أمر النبي ﷺ الصحابة بقتال من يقاتلهم سواء كانوا من أكابر المجرمين أو من المستضعفين التابعين
* أمر النبي ﷺ بقتل أكابر المجرمين حتى لو لم يقاتلوا بقوله: "اقتلوا فلانا وفلانا ولو تعلقوا بأستار الكعبة".

* خاطب النبي ﷺ عموم قريش ممن لم يقاتلوه يوم الفتح بـ "اذهبوا فأنتم الطلقاء" فعفا عنهم مع أنهم أنفسهم أخرجوه من مكة أو سكتوا على إخراجه وكثير منهم قد قاتله مع قريش في بدر وأحد والأحزاب!

في هذا الكلام رد كاف على من عندهم استعلاء على عموم الشعوب المستضعفة وإن كانوا عصاة أو مقصرين، ويشمتون فيهم اليوم لأنهم تحركوا لحاجتهم في (رغيف الخبز) وهو مطلب مشروع بل ويجب علينا نصرتهم فيه، ويعادونهم ويتعالون عليهم لأنهم لم يتحركوا من أجل قضايا سياسية أو شرعية سواء كان قعودهم لخوفهم أو تقصيرهم أو لأسباب أخرى، فهناك من يتحرك من أجل (الخبز) وهناك من يتحرك من أجل(المعتقلين) وهناك من يتحرك من أجل أسباب أخرى، وكلها أسباب مشروعة فأكملوا أنتم نقصهم بتوعيتهم بدينهم وحقوقهم ودافعوا عنهم، واعملوا على قيادتهم للحق والخير بدون جلدهم أو التعالي عليهم. إن الخوف والجوع سلاحا الاستبداد، وإذا لم تستطع إيقاف الجلاد فلا تجلد الضحية.. فما رسالتنا إلا رحمة للعالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.