شعار قسم مدونات

الصحابة بشر مثلنا تماما!

مدونات - الصحابة آيا صوفيا

البشرية تعني أن هناك صراعا نفسيا يدور بداخلهم بين دينهم ودنياهم، وذلك يعني أن الصراع قد يحسم تارة لصالح دينهم وتارة لصالح دنياهم. يبرز جمال الصحابة حين نرى المهاجرين يحسمون الصراع لصالح دينهم فيتركون الوطن والأهل والعشيرة ويهاجرون نصرة للدين!! ويبرز جمالهم حين نرى مشاهد الإيثار والإخاء التي سطرها التاريخ لصالح الأنصار وهم يستقبلون إخوانهم المهاجرين!! ويبرز جمال الصحابة حين نقف على مشاهد بذل النفس والمال في سبيل الله!!

 

يتفاوت الصحابة في عزيمتهم وقدرتهم على حسم الصراع لصالح دينهم، وذلك طبيعي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكننا النظر إلى أبي بكر وعمر كنموذجين حسما هذا الصراع لصالح الدين بدرجة عالية جدا ومتفوقة على كثير من الصحابة! ويمكننا أن نحب عثمان حبا جما وهو يواجه مصيره ويرقى شهيدا بعد أن كابد إحراجا مزدوجا طرفاه شرار بني أمية وشرار الأمة، فقد أطبقوا عليه إطباق المطرقة والسندان فصبر ولقي ربه شهيدا!! ويمكننا النظر إلى استباق علي رضي الله عنه لحالة الصراع وحسمها لصالح دينه قبل وقوعها وهو يردد "يا دنيا غري غيري"!!

 

وفي المقابل، يمكننا أن نشاهد موعظة عمر لأبي موسى الأشعري وهو قائم بإمارة اليمن، حيث قال له عمر: "وقد بلغ أمير المؤمنين أن فشت لك ولأهل بيتك هيئة في مطعمك وملبسك ومركبك ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا عبدالله أن تكون كالدابة، همها في السمن والسمن حتفها"، هذه الموعظة تشير إلى فترة غفلة تغلب فيها جانب الدنيا على جانب الدين في حياة أبو موسى كأمير !! ويمكننا أيضا أن نلحظ تغلب جانب الدنيا على الدين لدى بعض الصحابة في الفتنة الكبرى!! وهو قد يكون تغلبا شعوريا وقد يكون تغلبا لا شعوريا!

 

الناس تعتقد منذ قرون بأن صلاح أحوالنا لا يكون إلا بالرجوع إلى الدين، والنموذج المقدم لمن طبقوا الدين متجاوز لبشرية الناس، وذلك بلا شك يورث الإحباط والنكوص عن السير على الدرب

مجتمع الصحابة لم يكن مختلفا عن مجتمعنا من حيث توزع الطباع البشرية بمحاسنها ومساوئها على أفراده بدرجات متفاوتة !! وكلام الله قد تنزل بينهم وهو يحمل آيات تعينهم بل وتدفعهم دفعا إلى مغالبة بشريتهم وكسر حدة ما فيها من شح وحسد وحقد وأنانية وحب للظهور وسعي للجاه والمنصب والرياسة!! وهم رضوان الله عليهم لم يكونوا يستغربون من تلك الآيات!! وذلك دليل كاف على أنها تخاطب طبائعهم.

 

أما حديث أفضليتهم فهو ليس كما يقدمه الفقهاء لجمهورهم، فهم ليسوا على الدوام مجتهدين معذورين، وليسوا على الدوام ذوي نصيحة خالصة للدين، وليسوا على الدوام سليمي النية منزهين عن الغرض !! لكن لهم أفضلية قد تنبع من إقبالهم على آيات قرآنهم واستعانتهم بها في مراجعة أنفسهم وتقويمها!! وهم يتفاضلون فيما بينهم بحسب درجة تفاعلهم مع تلك الآيات. أما ما يتردد على ألسنة الفقهاء فهو خارج عن المنطق أولا، ومناقض للبشرية ثانيا، ناهيك عن كونه يلغي الفروقات الفردية بين آحاد الصحابة، فيوحد بين أبي بكر ومعاوية!! إذ لا فرق بينهما ما دام كلاهما مجتهد معذور سليم النية منزه عن الغرض!

 

يطيب للفقهاء أن يقدموا صورة وردية للصحابة ترقى بهم إلى العصمة النبوية أو النورانية الملائكية! ويطيب لهم اتهام من لم يقتنع بتلك الصورة بالضلالة والانحراف. بعد ذلك نراهم يفتعلون معركة وهمية لرد الناس إلى "احترام الصحابة"، وينسون المعركة الحقيقية وهي رد الناس إلى التفاعل مع القرآن والسنة!

 

السلف أمة قد خلت ومن السهل توحيد الناس على الاعتقاد بأفضليتهم!! وهذا حاصل، ولا سبيل لنكرانه، ويكفي أن نقرأ منشورا ينتقص من الصحابة لنجد هبة لا للذب عنهم بل لتقديسهم!! والغريب أن هذه الهبة لا تقتصر على المتدينين دون غيرهم، بل تمتد لتشمل من يعاقر الذنوب جهارا نهارا بلا وجل ولا خجل!! لكنني أحب التنويه إلى أن الصورة المقدمة للصحابة تكرس للقطيعة بين الناس ودينهم!! فالناس تعتقد منذ قرون بأن صلاح أحوالنا لا يكون إلا بالرجوع إلى الدين، والنموذج المقدم لمن طبقوا الدين متجاوز لبشرية الناس، وذلك بلا شك يورث الإحباط والنكوص عن السير على الدرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.