شعار قسم مدونات

الأتراك الجدد.. هكذا يتمّ تجنيس السوريين في تركيا!

blogs لاجئون سوريون بتركيا

بات من المعلوم أنّ أكثر جارة لسوريا تتحمل أعباء الحرب وتوابعها؛ هي تركيا، ومن الغريب بمكان أن يُنظر لتركيا على أنّها ذات أطماع في سوريا، أو أنها ترسل جنودها وترفع علمها هناك، دون النظر العادل إلى ما تقوم بها تركيا من واجب إنسانيّ تجاه السوريين سواء في سوريا أو في تركيا. وهو ما لا يتسع هذا المقال للحديث عنه، بل يكفي معرفة ما قامت به تركيا خلال السنوات الماضية، من محرّك البحث "غوغل".

يقطن في تركيا أكثر من 3 ملايين ونصف المليون سوري يحملون هوية "الحماية المؤقتة"، يستفيدون من الخدمات الصحية والعلاجية، والتعليم، بشكل مجانيّ، فضلًا عن مساعدات إنسانية لبضعهم. بدأت موجة الهجرة منتصف العام 2011، تلتها موجات أكبر وأضخم، اضطرت تركيا معها أن تغلق المعابر الحدودية المشتركة مع سوريا، باستثناء مرور المرضى والمصابين، ثمّ ما لبثت أن أعلنت مطلع الـ 2016 عن فرض فيزا بحق السوريين القادمين من خارج تركيا، نظرًا للعدد الكبير من السوريين "اللاجئين"، ومن ناحية أخرى انصياعًا لرغبة المعارضة التي لا تملّ من استخدام "ملف السوريين" كأداة ضغط على الحكومة لتأليب الشعب عليها.

وجدت الحكومة التركية نفسها أمام كم هائل من اللاجئين الفارين من ظلم نظام الأسد، وليس أمام فئة قليلة من "الإخوة المهاجرين" أو الضيوف، ولذلك اضطرت مرارًا لسنّ قوانين بين الفينة والأخرى، تضمن بالدرجة الأولى أرشفة السوريين في تركيا ضمن وثائق رسمية بمثابة الهوية، يُطلق عليها "بطاقة الحماية المؤقتة"، تمكن حاملها من الحصول على وضع قانونيّ في البلاد، فضًلا عن الاستفادة من خدمات الصحة والعلاج والتعليم بالمجان. هذه الهوية شهدت مراحل تغيير، من رقم 98 إلى 99، وصولًا إلى إصدار هوية بطراز مخصص لأصحاب الحماية المؤقتة، يتوجب على صاحبها أن يتوجه لإدارة الهجرة ويقوم بتحديث معلوماته الشخصية، حتى يتثنّى للحكومة معرفة المعلومات الأساسية عن كل سوري بأراضيها، بدءًا من تاريخ دخوله، مرورًا بمستوى تعليمه فضلًا عن معلومات أخرى. ويجدر بالذكر أنّ خطوة تحديث البيانات قد بدأت مطلع العام الماضي 2017.

أكبر هدف لعلميات التجنيس هذه هي حلّ عقدة اجتماعية باتت ثقيلة على كاهل تركيا، وتتمثل بالمصير المجهول الذي يحفّ اللاجئين الذين قامت تركيا تجاههم بمواقف إنسانية

ولو رجعنا قليلًا إلى الوراء، سنرى أنّ خطابًا للرئيس التركيّ أردوغان في ولاية كليس التركية في رمضان 2016، أعلن من خلاله عن نية الحكومة في تجنيس السوريين المقيمين على أراضيها، مفجرًا بذلك قنبلة كانت زلزالًا داخل المجتمع التركيّ، وبقدر ما استقبلها السوريون آنذاك بفرحة عارمة؛ إلا أنّ هجوم المعارضة وطيف كبير من الشارع التركيّ على هذا القرار تمكن من تنغيص فرحتهم.

إذن أعلن الرئيس التركي بنفسه عن نية الحكومة في تجنيس السوريين المقيمين على أراضيها؛ ولكن! ولكن سرعان ما كشف مسؤولون أتراك عن التفاصيل الحقيقية لهذا القرار المفاجئ، حيث صرّح مسؤولون في دائرة الهجرة لأكثر من صحيفة تركية -منها يني شفق- أنّ الخطة القائمة لتجنيس السوريين تهدف لتجنيس: 1- أصحاب "الياقات البيضاء" -حسب التعبير التركي- أي أصحاب الشهادات والخبرات العلمية والمهنية. 2- هناك عدد محدد وضعته الحكومة لتجنيس السوريين على أراضيها، حيث تهدف لتجنيس ما يصل إلى 300 ألف فقط. حتى هذه اللحظة. من هذين الركنين نستطيع أن نفهم أن عملية التجنيس لا تشمل الكلّ بل أصحاب الخبرات والشهادات، وأيضًا هي محدودة بـ 300 ألف وفق الخطة المعلنة حتى الآن.

مراحل التجنيس وخريطة الطريق

عدد السوريين المقيمين على الأراضي التركية يصل لأكثر من 3 ملايين ونصف، ونظرًا لهذا العدد الكبير؛ لا يمكن لأي شخص أن يتقدم بنفسه لطلب الجنسية، بمعنى أن الحكومة هي التي تختار قائمة المجنّسين وفق آلية "تحديث البيانات" التي طالبت السوريين بها، ومن ثمّ تتصل دائرة الهجرة التركية بالأشخاص الذين تمّ اختيارهم لتحديد موعد إجراء مقابلة وتقديم الأوراق الرسمية التي تطلبها منهم، وتكون المواعيد وفق جدول زمنيّ يختلف من ولاية لأخرى، حسب عدد المجنّسين في كلّ مدينة.

موعد تقديم الأوراق الرسمية، يكون اللقاء على مرحلتين؛ الأولى تقديم كافة الأوراق للموظف المسؤول والذي بدوره يقوم بالتدقيق في كلّ ملف حتى يتأكد أنّ كل ما طلبوه موجود، والثانية تتمثل في بعض الأسئلة من قبيل: هل تفكر أن تغادر تركيا بعد التجنيس؟ هل تفكر بتغيير اسمك أو كنيتك؟ ماذا ستصنع بعد التجنيس أو أيّ مهنة ستختار؟

بعد هذا اللقاء وتقديم الأوراق، تبدأ مرحلة الانتظار والترقب، وهناك موقع مخصص للاستعلام عن وضع عملية التجنيس، حيث يدخل المقدّم إلى الموقع ويملأ المعلومات المطلوبة، ومن ثمّ لو تظهر له رسالة تفيده أين وصل ملف تجنيسه. عادة ما تداخل الأسماء إلى الموقع بعد 3 شهور وربما أكثر عقب اللقاء الأول، وتتوزع الخطوات على: مرحلة تدقيق الملف بالكامل من قبل الولاية التي تمّ التقديم فيها، إرسال الملف إلى العاصمة أنقرة، مرحلة تقييم الملف من قبل لجنة خاصة تتبع مديرية التجنيس ضمن إدارة النفوس، مرحلة التدقيق والاستقصاء الأمنيّ ويتولى التدقيق كلّ من الاستخبارات والخارجية والمالية. وهذه أبرز الخطوات ولو اجتازها الشخص المتقدّم فيعني أن عملية التجنيس إيجابية وسيتمّ قبوله، ليبدأ بعد ذلك تجميع الملفات حتى تصل لعدد معين ومن ثمّ إرسالها لمجلس الوزراء، ليقوم الأخير بالتصديق عليها وإصدار قرار بشأنها، وبذلك تصل رسالة للمجنّس تهنئه بانه أصبح مواطنًا تركيًّا.

ما بعد التجنيس

التجنيس يعني أنّ هذا الشخص قد اصبح مواطنًا بهذه الدولة وكأنه ولد فيها، ولذا فله وعليه من الحقوق والواجبات كأي مواطن تركي أصلي، وهنا تكمن بعض الإشكاليات والتي غالبًا ما تتاجر بها المعارضة التركية بين الحين والآخر، مثل حق التصويت في الانتخابات، وأداء الخدمة العسكرية، وما شابه.

من حيث حق التصويت، فيحق للمواطنين السوريين المجنّسين ذلك، وتقوم الحكومة عبر مكاتب التصويت التابعة للجنة العليا للانتخابات بإرسال إخطار لكلّ مواطن يحقّ له التصويت، تفيده بالمكان والزمان المخصص للتصويت. وهو ما أكده الخبير التركي في شؤون الهجرة، مراد أردوغان، حيث أكد على أن السوريين الحاصلين على الجنسية التركية يحقّ لهم التصويت في الانتخابات المبكرة المقبلة في 24 حزيران/يونيو.

أما من حيث الخدمة العسكرية، فتنصّ المادة 1111 من قانون الخدمة العسكرية على أنّ الذين يتمّ تجنيسهم من المهاجرين؛ يُنظر لسنّهم عند دخول تركيا، فإن دخلوها وهم فوق سنّ 22 أو كانوا قد أدّوها في بلدهم؛ فيُحسبون ضمن المعفيين من الخدمة، وإن كانوا قد دخلوا تركيا وهم تحت سن 22 ولم يأدوا الخدمة العسكرية في بلدهم الأم فيلزم عليهم أداؤها في تركيا.

عموم السوريين في تركيا والذين لا يمكن لهم أن يحظوا بالجنسية؛ إلا أنهم يتمتعون بخدمات كثيرة من الدولة بشكل مجانيّ، ضمن هوية
عموم السوريين في تركيا والذين لا يمكن لهم أن يحظوا بالجنسية؛ إلا أنهم يتمتعون بخدمات كثيرة من الدولة بشكل مجانيّ، ضمن هوية "الحماية المؤقتة"
 
ما الذي تكسبه تركيا من تجنيس السوريين؟

كوني واحدًا من السوريين المقيمين على الأراضي التركية، منذ 3 سنوات وأعمل في صحيفة تركية وأجيد اللغة التركية، وكوني واحدًا من أولئك الذين تمّ استدعاؤهم من أجل التجنيس؛ أجزم بأنّ القضية خارجة عن إطار المصلحة الخالصة لتركيا، وإن كان هناك منفعة فهي متبادلة، بين الدولة التي تستفيد من خبرة او مهارة جديدة، وبين المواطن الجديد الذي أضحى مواطنًا يحمل هوية وجوازًا بعد أن كانا حلمًا صعب المنال.

إنّ أكبر هدف لعلميات التجنيس هذه هي حلّ عقدة اجتماعية باتت ثقيلة على كاهل تركيا، هذه العقدة كانت تتمثل في المصير المجهول الذي يحفّ أكثر من 3 ملايين شخص، قامت تركيا تجاههم خلال 7 سنوات بمواقف إنسانية لا يمكن لأحد إنكارها، كما لا يمكن لأحد أن ينكر أيضًا الفائدة التي جاء بها كثير من رؤوس الأموال السوريين، فضلًا عن ذوي الخبرات الذين يشار لهم بالبنان.

التجنيس وإن بدا تمييزًا أو عملية انتقاء، لكن بالتالي لا يمكن لأي بلد أن يقوم بتجنيس ملايين الأشخاص بلحظة، ومن ناحية أخرى فإنّ تركيا لا تقوم بإجبار أيّ أحد على قبول أمر التجنيس بل يمكنه شكرهم ورفض فكرة تجنيسه. كما لا ننسى أنّ عموم السوريين في تركيا والذين لا يمكن لهم أن يحظوا بالجنسية؛ إلا أنهم يتمتعون بخدمات كثيرة من الدولة بشكل مجانيّ، ويحق لهم رفع قضايا ودخول المحاكم وتوكيل محامي والكثير من الحقوق ضمن هوية "الحماية المؤقتة" هذه، وبالمقابل هناك بعض التعقيدات سواء من الدولة مثل التشديد على إذونات السفر والتنقل، أو من المجتمع وهو ما لا يمكن للدولة إصلاحه بلحظة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.