شعار قسم مدونات

ما أُريكم إلا ما أرى..

مدونات - إعلام

لأنهم زوروا الحقيقة، زينوها بمساحيق التجميل والأغبرة والأحمرة، حتى بدت شيئا آخر…، سجنوهـا خلف سـبعة أبـواب لكل بـاب منـهم جـزء مجـهـول، بـدا وكـأنهم يُضَـيِّعـونهـا، وفـي حـال مـا تـم العثــور علـيهـا سنكون قد عثـرنا عـلى ذلـك الشيء الآخـر.

 

ثـمَّ أحضروا الكـذب وكُـل ما هـو فـي معنـاه جمّـلوه، ألبسوه، بـدا كالذي نـريد وخيَّرًا ممـا نـريد، وعدوهـم بالـغِنَى ومـلك لا يـبلى، حتـّى لا يـنكشـف الشـيء الآخر، فمَـنَّوا أنفـسهم وسلَّموا زمـام أمـورهـم. لأنهم أظلمـوا الحقيقة وغيَّبوهـا وضيَّعـوها فـي غيـابـات الجُـبِّ، ولـم يحـزنوا ولم يبكـوا بل أظهروا الكـذب وحسَّنوه وزيّنوه.

 

أمَّـا نحـن فلا نـريد الحقيقـة ولا ذلـك الشـيء الآخر، نحـن نُـريد سـماع ما يُـرضينـا، نحن متكاسلون متقـاعسون، إذا ما قمنا قُلنا آباؤنـا وأجدادنا، وإذا ما اشتدت سـواعدنا رمـينا بعضـنا وإذا مـا كبـرنا دُسنا الأصـول وزجَـجَّنا بـهم في دور الأصـول، وإذا ما غضـبنا قتَّلنا جيـراننـا فإذا ما بكيـنا بكينـا علـى الأطـلال.

 

سَجـننا الإعـلام داخـل بـودقة نـفاقه غسـل أدمـغتنـا وخـاطبنا ما أُريـكم غير الـذي أرى وإنـي لأخشـى أن يُفـرِّقكم ذلـك الشيء الآخر فجمعتـكم لأهـديكم طـريق الـرشـاد، وما كيـد الإعـلام إلا في تبـاب

لـذا مللـنا وضـعنا والحـل لـوضعِنا لا يُـرضيـنا، صـارت الحقـيقة تعـكِّر صـفو بُـكائنا فـوَلدت أرحـامنـا حلاَّ بـديلاً، ولـدَنـا إعـلامًا لنـرفع بـه أصواتنـا، فمـا الذي جـرا؟ المشـكلة أنـه كما السجـن، ومفـاتيحه كـانت يومـا ما بيـن أيديـنا، كلـما ارتفعـنا قليـلاً سلَّمنا جزءًا من حريـتنا، المشكلة أنَّنـا داخـل السجـن الآن، إنَّـا نحـن المسجـونين والسجَّانـين..

 

و نحـن السجن..
السجن الذي دخلنـاه بمـحض إرادتـنا وعلَّـقنا المفـتاح خـارج قـضبانِـه .. السجن الذي لا نـرى فيه قضـبانًا، بل نَشعُرها، قضبـانه داخلـنا كأمعـائنا، كَـكبِدنَا ورئتَـينا، سجـن يسـجن عقـولنا وضمائرنـا، فجـاؤوا.. أخـذوا المـفاتيـح بعـد إذنـنا، أي أننا سلَّمناهـم مفـاتيح سجـننا، أقصـد عقـولنـا، بمـا في ذلـك آراؤنا وأصـواتنا وتفـكيرنـا، حضـر الإعـلام ليتولى مهمـة سجنـنا من بعـدنا، ذلـك أن الإعـلام أصله أنه وليـد سَجننـا لأنفـسنا، "وإني لست بمخرجك منه بعد إذ دخلته" هي عبـارة استوقـفتني فـي روايـة مـا، استـدرجتـني لأتأمـل خفـايـاها، وأكتـب ما قـد كتـبت، أجل يـا سـادة، إعـلامـنا هـو سجـننا، وإعـلامنا منَّـا، نحـن الذي نصـنعه.

 

نحـن الصـدق والنفـاق، نشكُــو إذا ما خُدِعنـا ونفـرحُ إذا ما خَـدعنـا، إذا مـا كنـا ضحايـا تشخـص العيـون والأبصـار نحـو صنـدوق الفتـنة والافتـراء وتُعلَّـقُ القـلوب بالسـماء، راجيـةً مـن المـولـى…، أن تسمع ما يُـرضيـها، وإذا مـا كنا متهـمين نـدفع ملء الإعـلام ذهـبا حتَّـى يُغيِّر مسـار الحـافلـة.

 

إعـلامنـا يـا سـادة يـصنع التَّفـرقة، يُشعـل الفتـنة بين شُـركاء الـرحم الـواحد، إعلامنا يُـكرهنا أصلـنا بل أنفُسـنا أحيـانًـا، بتَـفرقتنـا ننـتهـي إعـلامنـا يُـنهيـنا، ولكن…، ما فـائدة الإعـلام بـذلك إذا كـان منـا سَجـننا الإعـلام داخـل بـودقة نـفاقه غسـل أدمـغتنـا وخـاطبنا ما أُريـكم غير الـذي أرى وإنـي لأخشـى أن يُفـرِّقكم ذلـك الشيء الآخر فجمعتـكم لأهـديكم طـريق الـرشـاد، وما كيـد الإعـلام إلا في تبـاب، قـادنا لما يُـحبه ويـرضـاه وإن ظننـا أنَّـنا أصحاب حـق . فحقـوقنا حقـوقه هو الذي لقنـنا ذلـك لنصيح معتقـدين أننـا نـطالب بحقـوقنا، ويبـرز الإعـلام كالبـطل المغـوار يـوزع الحقـوق ويسـاوي بين النـاس، وخـلف هذا المشـهد نـرى بأنَّـا أجمعـنا أن للإعـلام حـق مغتصـب، نـادينا به وآمنا بشـرعيته، فـوهب نفـسه تلـك الصلاحيـة علـى ظـهورنـا وفي نهـاية الحكـاية يعـود الكل راض، متـى رضـينا ورضـى الإعـلام عن رضـانا؟

 

سـاقنـا خلـفه كـالجـراء فإذا نبحنـا وارتفعت أصواتنـا رمـى لنـا شيئا لنجري وراءه ويلهينـا.. فنكف عن النباح. ذاك الإعـلام اللعـين، ابن أرحـامنا يُسيَّـر ببـركاتنـا ويَعيـش بأمـوالنا، فنحـن الإعـلام، والإعلام تجَـرَّد منـا وتبـرَّأ منـا بل وثـار ضـدنا. فنحن نعـيب إعـلامنا والعيـب فيـنا ومـا لنـا من عـيبٍ سـوانا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.