شعار قسم مدونات

فادي البطش.. ثلاثة دروس وأكثر

blogs فادي البطش

حَرِيٌّ بأطرافٍ عديدة أن تتعلم الدروس، وتَستخرج العبَر من حادثة اغتيال العالم الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا السبت 21 إبريل 2018، حادثة اغتياله تشكِّل حلقة من سلسلة طويلة ما كان فيها الأول، ولن يكون الأخير، هذا ليس مُستغرباً على دولة الاحتلال التي قامت ودامت على الدماء والأشلاء. وهي تعتمد التصفية والقتل بالاغتيال وسيلة رسمية تستخدمها مع كل مَن تعتقد أنه يهدد وجودها، ولذلك يوجد فيها جهاز خاص مستقل بذاته للقيام بهذه "المهمات القذرة" يُعرف بجهاز "الموساد".

 

لا تفرِّق دولة الاحتلال في أفراد المقاومة بين مَن يحمل السلاح أو الشهادة العلمية، فالخطر الذي تشكله الشهادة العلمية المتقدمة على وجود دولة الاحتلال لا يقل عن الخطر الذي يشكله السلاح، لاسيما إذا كانت تلك الشهادة في بعض التخصصات مثل الهندسة، الفيزياء، أو الكيمياء. هذا ما أدركته دولة الاحتلال، وهو نفس الأمر الذي لم تدركه البقية الباقية من العرب المقاومون لهذا الكيان الغاصب، بدأت دولة الاحتلال منذ قيامها وهي مستمرة حتى اليوم باستهداف العلماء العرب، فحتى اليوم لا يُعرف السر وراء الموت المفاجئ لأينشتاين العرب الدكتور المصري علي مصطفى مشرَّفة 1950، ويحيى المشد 1980، وهما حالتان ضمن عشرات حالات القتل التي يتوجه فيها الإصبع إلى المتهم الأول "الموساد".

 

أصبح من الواجب استخلاص دروس غاية في الأهمية من هذه الحادثة ومثيلاتها، لعل هذه الدروس تساعد على إعادة النظر في حماية التنظيمات الفلسطينية لكوادرها المستهدفة

وبالإضافة إلى اغتيال خبير الطيران المهندس التونسي محمد الزواري ديسمبر 2016، واغتيال فادي البطش فقد اغتيل ثلاثة من الألمعيين العرب بظروف ومعطيات متشابهة، كلهم خلال شهر فبراير فقط، بدءاً من الشاب اللبناني حسن خير الدين 23 عاماً، الذي اغتيل في كندا 14 فبراير قبيل تقديم بحث لجامعته حول السيطرة الصهيونية على اقتصاد العالم، واغتيلت إيمان الرزة 27 عاماً من مدينة البيرة شنقاً داخل منزلها وهي المتفوقة في التخصص الكيميائي وقد تعرضت لابتزاز من الموساد قبل ذلك، واغتيل هشام سليم مراد 23 عاماً في فرنسا في ظروف غامضة وقد تفوق في تخصص الفيزياء النووية، وتعرَّض لمحاولات استقطاب من قبَل مجموعات تدعم الاحتلال الإسرائيلي في فرنسا.

إنّ المُحاجَجَة بأن الأعمار مكتوبة، والآجال محدودة، وأن المغدور فادي البطش قد يكون حقَّق أمنيته بالشَّهادة في سبيل الله غير موفقة في هذا الإطار، بل هي هروبٌ من تحمُّل المسئولية أمام النفس أولاً، وأمام الواجب الذي ينبغي القيام به تجاه الوطن والقضية، فإن بقاء فادي وأمثاله أحياءً يؤلم ويُقلق دولة الاحتلال بحيث تصبح حياتهم في سبيل الله، وفي خدمة وطنهم وقضيتهم أَولى من نيلهم الشهادة العاجلة، ومن طلب الشهادة بصدق أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه، وفي خالد بن الوليد رضي الله عنه أسوة حسنة.

وبعد هذا وذاك، أصبح من الواجب استخلاص دروس غاية في الأهمية من هذه الحادثة ومثيلاتها، لعل هذه الدروس تساعد على إعادة النظر في حماية التنظيمات الفلسطينية لكوادرها المستهدفة، وأيضاً تدفع هؤلاء الكوادر إلى تقدير ذواتهم أكثر، وأخذ الأسباب اللازمة للحيلولة دون جَعْل أنفسهم صيداً سهلاً لدولة الاحتلال، وأقتصر هنا على ذكر ثلاثة دروس هي من وجهة نظري حقائق لابد من مواجهتها:

undefined

1- أن دولة الاحتلال دولة يقظة، ذراعها طويل في كل بلدان العالم، تمتد لتصل إلى هدفها ببراعة وإتقان، تخطط، تنفذ، ثم تختفي، فهي دولة إمكانيات تراقب أهدافها في كل دولة، وفي كل بقعة من بقاع العالم، وبالتالي لا يظنّ أحدٌ أنه بمنأى عن عين الموساد الإسرائيلية.

2- أن كل إنسان فلسطيني أو غير فلسطيني، ومن المحتمل أن يساهم في نهضة دولته وأمته هو هدف مشروع بالنسبة لدولة الاحتلال، لأن في نهضة أي دولة عربية تهديد لها ولبقائها، فما قامت هذه الدولة ودامت إلا بنكوص مَن حولها وتقاعسهم.

3- الواضح بعد أي عملية اغتيال مشابهة أنه لن يحدث شيء، فالدول التي تحدث فيها هذه العمليات لن تتمكن من اتخاذ أي إجراء من شأنه تحقيق العدالة، وذلك لأسباب عديدة، منها الإتقان الشديد في التخطيط والتنفيذ لهذا النوع من العمليات، هذا لا يعني عدم احتمال انكشافها وفشلها مثلما حدث مع محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس في العاصمة الأردنية عمّان 1997، ومنها أن النظام الإقليمي والدولي، ونظام الأمم المتحدة الفاشل، والدعم الأمريكي اللا متناهي لإسرائيل لن يشجع أي دولة تقع فيها مثل هذه الجرائم على استعداء إسرائيل بتصعيد الملف تحت مبرر انتهاك السيادة، ومنها أن بعض الدولة متواطئة أصلاً مع دولة الاحتلال وتفتح لها الأبواب مشرعةً هذا إذا لم تنُب عنها بالتنفيذ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.