شعار قسم مدونات

عن الحمّص الذي رفع اللبناني رأسه به

BLOGS قائد

"جِد الحمص الخاص بك!" يخيّل إليك من هذه العبارة أن الحوار يدور حول الطبخ، أو عن التراث اللبناني، وربما عن مدينة حمص في سوريا. لكن ليس هذا محور العبارة هذه، بل هو عنوان كتاب لمايكل كولي، نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهو بروفيسور يعلم مادة القيادة – سنعتمد مصطلح قيادة للتعبير عن المفهوم الذي يحويه مصطلح Leadership في اللغة الإنكليزية لما يتداول في الترجمات العربية- وبث الوعي طويلاً في الغرب حولها حتى لو كان غياب الوعي يخدم مصالح الكثيرين.

مَن القائد، فاذاً من هو التابع؟ كيف يعيش من المنزل إلى المكتب؟ أسئلة عالمية يتداول فيها فحاول متخصصون في علم الإدارة واختصاصات رديفة، منهم كولي الإجابة عنها، وأحد زملاء كولي البروفيسور فادي هاشم وجد بعضاً من الإجابات في أطروحته من جامعة كرانفيلد – لندن، فدرس تأثير القادة على حياة متابعيهم من المنزل إلى العمل والحدود الفاصلة، مركزاً على عينته في لبنان والمصارف.

قدم بعض الأجوبة في أطروحته وأكثر في حوار قمنا به؛ لنستفهم عن ماهية الحدود الفاصلة للتدخلات التي يضفيها في الشخصية إيجاباً أو سلباً القادة على حياة أتباعهم. نقطة البداية لدى هاشم كانت الرابط بين دوام العمل والحياة؛ ليحدد المسافات، ومنها كشف أن لا تعريف موحد للقيادة، فللمعنى علاقة بالمحيط والسياق ليتم تشكيل المفهوم. عدم وجود مصطلح يخلق هوّة وربطاً بمعان متعددة باللفظة. على رغم من خبرة فادي الطويل بالعمل مع حكومة قطر والتدريب في السعودية على برنامج للقيادة كوّن وجهة نظر للتأثير الذي يتركه على أتباعه هذا القائد. 

لا تحديد للقائد الجيد أو السيئ، فخلاصة البروفيسور فادي للقيادة بأنها تترجم بأفعال تضيف على حياة الأتباع منسوب سعادة، قيم، منتقداً بعض تصرّف ممن هم في موقع السلطة من وزراء ونواب

لم يجِد البروفيسور هاشم نوعاً واحداً من القادة "الذي سأسميه القائد اللبناني يلتزم به الجميع" على حد تعبيره، ولا يوجد شكل واحد له وتختلف الخصائص من قطاع لآخر وصناعة لأخرى، وتعتمد بين شخص وآخر، وللتأكيد على نظرته العلمية هذه قام بدراسة كمية لا نوعية في أطروحته وقد حدد نموذجين من خلال الخصائص: القائد "السلطوي" – Authoritarian – الذي يحدد مهمة للتنفيذ مقابلها شيء ما دون الاكتراث لأسلوب حياة الموظف / التابع المنزلية / العائلية، فيصب التركيز على الإنتاجية.

أما النموذج الثاني وهو يكون لديه رغبة في عمل الخير -لا تطوع- ويعني إضافة على حياة الموظف إيجابياً فيفكر بحياة التابع له المنزلية، وبالنسبة له هي على قدر الأهمية من الحياة المهنية، فكون التابع / الموظف سعيداً في المنزل أو غير ذلك مهم دون أن تلغي العلاقة الإنسانية القائمة التركيز أيضاً على الإنتاج.

لا تحديد للقائد الجيد أو السيئ، فخلاصة البروفيسور فادي للقيادة بأنها تترجم بأفعال تضيف على حياة الأتباع منسوب سعادة، قيم، منتقداً بعض تصرّف ممن هم في موقع السلطة من وزراء ونواب، معتبراً أن تصرفاً واحداً يثير ابتسامة لدى التابع ويؤثر به أهم من كل ما يقوم به وزير له دور إداري لا يضيف شيئاً على حياة الأفراد. إذاً القيادة منفصلة عن السلطوية والمراكز الإدارية التي تكسب ألقاباً ولها علاقة بالأفعال، أكانت بسيطة أو تصرفات أكثر تعقيداً، وتجعل هذا الشخص يتطور أو ذاك وحياته أفضل دون انتظار أي مردود ربحي.

ماذا عن التوازن بين المنزل والعمل؟

يجب أن يقود المرء نفسه لتخطي المصاعب؛ ليكون قائداً يجب أن يكون له نفَس طويل باعتبار أنه يقدم خبرته للناس، ومنها يكسب الثقة معمقاً معرفته عبر تقييم نفسه بتكرار التدريبات؛ ليدرك ما لا يدركه. ينفي البروفيسور هاشم مصطلح "توازن"؛ إذ تم التخلي عن هذا المصطلح، واستبدل بآخر، وهو سعادة واكتفاء، فمعادلة "توازن عائلي ومهني "، على حد تعبيره، غير موجودة، فالإنسان يعيش وفق ما لديه من أولويات، فيدير الوقت، والقائد يساعده على تحقيق الاكتفاء بين العمل والمنزل.

لا نفع لأن يكون المرء قائداً أو تابعاً إلا ما تم الكلام به سابقاً، ويشير إلى أن "بعض الأشخاص لا يمكنهم القيادة ويكمن الفرق بالأفعال، فالقائد يحضّر للتداول بالمركز الإداري الذي هو به، لكنه لا يتوقف عن أن يكون قائداً، أما المدير في موقع إداري يخاف على مركزه"، محدداً كذلك الأمر صفات رائد الأعمال الذي يخلق مؤسسة له، ويكون لديه بعض صفات القيادة. هكذا يوضح البروفيسور هذا الخلط في المفاهيم في العالم العربي، منتقداً الذين يبحثون فقط عن اللقب والـ"معاش"، فلا اللقب يجعل منك قائداً، ولا الهيكلية التي لها علاقة بالإدارة، بل الأمر يعتمد على مستوى القيم والأفعال. افعل.. أقول لك أي قائد أنت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.