شعار قسم مدونات

الأنظمة الاقتصادية لبلدان المغرب العربي وواقع التجزئة

مدونات - المغرب العربي

الوحدة العربية والإقليمية تعتبر بالنسبة للبلدان العربية ضرورة تاريخية وحياتية وحضارية، فبدونها لن نسير، سنتهمش ونتعرض لا محالة للضياع وفقدان التوازن والهوية. نعلم أن موضوع الوحدة يتطلب أكثر من مراجعة التاريخ ضرورة استيعاب الحاضر، يتطلب وعيا بواقع التجزئة الذي تعيشه مناطقنا، بشكل يزداد استفحالا، واقع الهوية التي أضحت ضائعة بعدما كانت مشتركة، تجزئة مورسَت فرضها الاستعمار، هدموا ومسحوا فكرة أن العرب أمة واحدة.

لكن السبيل الوحيد أمامنا لنؤكد استقلاليتنا الحضارية هو طريق التنمية الشاملة. بالفعل سترد لنا القدرة على التحدد ذاتيا وانفتاح الإبداع أمامنا وهذا يتطلب تحرير الإنسان العربي والموارد العربية، تحريره من الفاقة والعوز واستئصال الجهل منه. أصبحت التجزئة مطبوعة بالصراع ومحاولات خلخلة التوازن الإقليمي، بدأت منذ استقلال الدول العربية تتبلور النزعة القطرية عبر استفحال الخلافات عبر الحدود.

الأنظمة السياسة أيضا تختلف اختلافا تاما يزداد عمقا مع الأيام، فمثلا نظام المغرب قائم على نظام الملكية الدستورية والنهج الليبرالي المرتكز على التعددية الجزئية فإن اختياره الاقتصادي ارتبط منذ حصوله على الاستقلال بتقليد النهج الرأسمالي الغربي المرتكز على دعم الطبقة الرأسمالية الصناعية والزراعية. وهذا الاختيار ينعكس سلبا على المستوى الخارجي من حيث العلاقات.

الشعور القطري الضيق أفرز لنا بين أقطار المغرب العربي انفرادا وقطيعة، أفضى إلى شيوع المزيد من عدم الثقة مع تسخير العلاقات مع الأطراف الأجنبية لخدمة أهداف الهيمنة الإقليمية

نجد أن الجزائر ارتكز نظامه على نظام الحزب الوحيد والاقتصاد الموجه، فأقحموا العمال في الإنتاج والتصنيع بينما الطابع الإيديولوجي هيمن بشكل أكبر في العلاقات الخارجية. واعتمدت سياسة أكبر براغماتية، ظلت تجربتها الاشتراكية تهيمن على علاقاتها بباقي أطراف المغرب العربي وظل مركزها كمنطلق ثوري في المنطقة يسخر كوسيلة ضد باقي القوى الإقليمية وخاصة ضد المغرب.

أما النظام التونسي فرغم تقاربه مع المغرب على مستوى التطبيق الليبرالي إلا أننا نلاحظ أن هذا النظام رفع مباشرة بعد الحصول على الاستقلال شعار الاشتراكية الدستورية. فبلدان المغرب العربي لم تكن تعرف أثناء المرحلة الاستعمارية أي تناقض يذكر على مستوى البنيات الاجتماعية والاقتصادية، لكن بعد الاستقلال ظهر طابع التناقض بين الأنظمة والتعارض، فهذا يمنع بشكل واضح تحقيق الوحدة الاقتصادية والسياسية.

إن الشعور القطري الضيق أفرز لنا بين أقطار المغرب العربي انفرادا وقطيعة، أفضى إلى شيوع المزيد من عدم الثقة مع تسخير العلاقات مع الأطراف الأجنبية لخدمة أهداف الهيمنة الإقليمية. فقد اتجهت بعض سياسات الدول إلى تبني طموحات هيمنة واضحة معالمها، ومحاولات خلخلة التوازن الإقليمي ضمن منطقة المغرب العربي، وهي وسيلة واضحة لبعض الدول نهجتها لمصلحتها من أجل تنفيذ المخطط الهيمني الهادف إلى تحقيق سيطرة أو فرض قوة عسكرية أو عرقة الاقتصادات الأخرى.

إن حالة التشتت التي عرفها المجتمع العربي في الماضي بعد الاستقلال أفرزت ضياع الهوية او هوية الضياع التي تكلمنا عنها سابقا في الفقرات الأولى من المقال، هي نتيجة تخلي الأنظمة عن الأهداف القومية العربية ومحاولة كل منها أن يجد لنفسه مخرجا من ضغوط الإفقار في الداخل والهزيمة تجاه الخارج، فتصرف كل قطر حسب هواه، حسب أضيق مصالحه الآنية على حساب الأهداف القومية. وبسقوط الأهداف القومية البعيدة الحاجة إلى الديمقراطية وهنا سنتكلم عن دور الديمقراطية.. فالوحدة لها علاقة وطيدة بالديمقراطية، لا يجب النظر إلى العلاقة بينهما من زاوية أن أحد طرفيها يتبع الآخر وينتج عنه بالضرورة، فليست كل وحدة قومية مفضية إلى الديمقراطية. الوحدة تتأسس على مبادئ وعلاقات معينة كالديمقراطية.

فالديمقراطية تمثل حلاً للاستعصاء القطري الكياني، وحلا لمشكلة الاندماج الاجتماعي القومي معا، والديمقراطية بقدر ما تشكل هذا الحل السياسي والاجتماعي لمعضلات الانقسام الطائفي والمذهبي والأثني، أي لمشكلة الأقليات، بقدر ما تسهل عملية الاندماج الاجتماعي والقومي بين الجماعات المختلفة المكونة للمجتمع من خلال صهر تمايزاتها الثقافية الطبيعية في وحدة سياسية عليا تعبر فيها تلك الجماعات عن خصائصها وشخصيتها الذاتية، بقدر ما تفتح الطريق ليس أمام الوحدة الوطنية فحسب، بل أمام الوحدة القومية أيضا، والديمقراطية والنضال الديمقراطي بهذا المعنى مسلسل توحيدي وطنيا وقوميا، إنها في آليتها الموضوعية جزء لا يتجزأ من سيرورة الوحدة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.