شعار قسم مدونات

أمريكا.. النساء أولاً الكلاب ثانياً ثم الرجال!

blogs اعتقال

كانت مشادة كلاميةً بيننا، رفعت صوتي بعض الشيء، أخذَت هاتفها متصلةً بشرطة الولاية، بعد خمس أو عشر دقائق أُلقي نظرة من النافذة فأرى ترسانة من سيارات الشرطة موهجة أضواءَها الزرقاء والبيضاء أمام البيت، لم أصدق الأمر، أخذت أتساءل في مزاح مع نفسي -رغم عدم تناسب الموقف مع ذلك- هل أنا خطير إلى هذه الدرجة!؟ وماذا فعلت كي تنصبَّ كل هذه السيارات نحو بيتي!؟

طرق أحد الضباط الباب، فتحتْ هي الباب وبكل برودة، سألها الضابط أهي بخير أجابت نعم ثم سألها ثانية عما حدث قالت أنها كانت تحت محاولة تعنيف، سألوني عن اسمي ثم قامواْ بفحصي من أخمص قدمي إلى ناصية شعري، نزعواْ أحزمة الحذاء من عليه ثم وضعواْ الأصفاد على يدي من وراء ظهري فأخذوني في توصيلةٍ مجانية نحو مركز شرطة المنطقة على سيارة ال "كْراون فكتوريا" الشهيرة، لم أُسأل عن ماذا حدث أو عن مدى صدق ما قالت أو عن حاجتي لمحامي ولا حتى مَنحي فرصة وضع ملابس خارجية عليَّ، وكأنها عملية روتينية أو كعمال "فدكس" أَتواْ لأخذ طردٍ بحجم إنسان.

رواية على لسان معظم رجال بلاد العم "سام" بات معروف بدايتها ونهايتها، خلاف بسيط كان أم غير ذلك، اتصال بالشرطة فاعتقال ثم كفالة بعدها محاكمة، إنها القوانين الأمريكية على لسان المثل الأمريكي: النساء أولاً فالكلاب ثانياً ثم الرجال، فبمجرد أن تتصل امرأة رافعة شكوى ضد زوجها أو صديقها كاذبة كانت أم صادقة أو من أجل غرض مال أو مسألةٍ شخصية أو تصفية حسابات أو حتى في بعض الأحيان تستعمل كوسيلة نصب، فكأنها تضغط عن زر تحكمٍ عن بُعد مدّتهُ التفعيلية ما بين خمس إلى عشر دقائق.

لا مجال للمماطلة أو التأخير يوم المحاكمة المحدد إن منحت الحرية المؤقتة، أما إن لم يكن ذلك فيؤخذ السجين تحت الأغلال مباشرة إلى المحكمة كي يواجه مصيره

إن كان الشاب أو بالأحرى المتهم في نظر القانون حينها محظوظاً وأتيحت له فرصة استعمال الهاتف والاتصال بكفيل كي تكون له الحرية المؤقتة شرط دفع مبلغ الكفالة والذي يحدد في حوالي المئة إلى الخمسمائة دولار عادة يتم الإفراج المؤقت عنه شرط أن يوقّع الكفيل عن مسؤوليته بالالتزام بحضور المتهم لموعد المحكمة المحدد، أما إن أفل عنه الحظ وكان اعتقاله مصادفاً لعطلة نهاية الأسبوع أو لم تتح له فرصة استعمال الهاتف أو عجز عن وجود كفيل، آنذاك يبدأ مشوار شائك أسود في وجهه.

إلى حين المحاكمة يؤخذ المتهم إلى السجن مع تفاصيل مريرة، الأصفاد بكل أنواعها تعانق يديه ورجليه على شكل سلسلة طولها حوالي النصف متر تصل رجله اليمنى باليسرى وأخرى في يديه طولها حوالي المتر تربط بينه وبين المعتل الآخر، أو إذا صح التعبير جاره في المحنة، مجرماً كان من درجة عالية أو بريئاً، فالأقدار كفيلة بتحديد ذلك، ثم يزج بالسجين في زنزانة غالبا ما تكون ثنائية.

لا مجال للمماطلة أو التأخير يوم المحاكمة المحدد إن منحت الحرية المؤقتة، أما إن لم يكن ذلك فيؤخذ السجين تحت الأغلال مباشرة إلى المحكمة كي يواجه مصيره؛ تخصص المحكمة عادة للمتهم محامياً وآخر للضحية و"سرب" من جمعيات حقوق الإنسان تحوم فوق رأس الضحية واجبهم التحريض على عدم التنازل على القضية والمطالبة بأقصى العقوبات، إن فعلت، فالسجن لصاحبنا لا محالة، أما إن تراجعت عن شكواها فيكون الإفراج خلف تجربة مريرة يمر بها الشاب.

يبقى السؤال المحير والمعادلة التي يصعب حلها، كيف لدولة قطعت أشواطاً هامة في مجال القضاء والعدل والحريات أن تحوي بنود ومواد دستورها مثل هذه التفاصيل التي إن كانت ذرعاً حامياً للمرأة فهي سيف جائر على عنق الجنس الآخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.