شعار قسم مدونات

"في غرفة العنكبوت".. رواية عن المهمشين

blogs رواية غرفة العنكبوت

أدب المهمشين، أدب الأقليات المضطهدة والغير مرغوبة، المتبرئ منها، إلى هذا النوع تنتمي هذه الرواية، أضف لها أدب كسر الطابوهات؛ لماذا؟ لأنك في العالم العربي وهي رواية عن المثلية الجنسية. موضوع لا يثار إلا وكانت معه كلمة؛ الشذوذ ملاصقة له وقلة الأدب معها، لكن محمد عبد النبي جعل من الأدب صوتا لهذه القضية والفئة. فلماذا أحب أدب المهمشين؟ لأنه يجعل ضمير الإنسانية فيك يستيقظ يخاطبك مباشرة كإنسان لا كأفكار مسبقة متجمعة في رأسك يحدثك عن فئات تتجاهل معاناتها في الغالب، هذا إن كنت تستذكرها أصلا.

الرواية ليست هي الأولى التي تتطرق لهذا الموضوع من حيث التوظيف فقد سبقه لهذا روائيون أذكر منهم خالد خليفة في روايته لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة (مثلية رجالية) وجويل جيابيزي في روايتها الجدران لا تصنع سجنا (مثلية نسائية) لكن في كلا الروايتين وغيرهما في العالم العربي كان الكلام والمعالجة للظاهرة في السياق على الهامش بعكس رواية عبد النبي الجريئة في انسياقها للموضوع للبه مباشرة مع ما يحيط به من تشعبات وتعقيدات من حيث التطرق للحياة وعالم المثلية في جمهورية مصر العربية وهي نموذج للحالة التي تسود العالم العربي ككل.

قامت الرواية على واقعة حقيقة تعرف إعلاميا بحادثة الـ (كوين بوت) حيث اعتقلت الشرطة المصرية العشرات من الرجال فجر جمعة من شهر مايو بتهمة ممارسة الفجور حيث أن (القانون المصري يعاقب على المثلية الجنسية) تتسع دائرة الاتهامات وتشد خناقها على الرجال داخل السجن أين تفيد تصريحاتهم بسوء المعاملة وتدخل الهيئات الدولية على الخط مع وسائل الإعلام.

 

حياتان مزدوجتان وخطان زمنيان متعاكسان هذا ما اعتمده الكاتب في بناء هذه الرواية يشتركان ويلتقيان عند هاني محفوظ قبل وبعد السجن؛ قبل وبعد الزواج؛ قبل وبعد الممارسة

حادثة غيرت حياة الكثيرين. الكاتب عبد النبي قرب لنا صورة الحياة المثلية في مصر من خلال شخصية؛ هاني محفوظ الذي تم اعتقاله تلك الليلة الفارقة في تاريخ المثلية في مصر. الاعتقال كان من خلال وشاية أحد المخبرين لدى الشرطة عند رؤيته لهاني برفقة رجل يتمشيان ومن هناك تبدأ رحلة السرد على لسان هاني محفوظ من خلال خطين زمنيين اعتمدهما الكاتب (الماضي / الحاضر).

هاني محفوظ ابن ممثلة مشهورة حفيد خياط ومصمم أزياء للنخبة. تظهر عليه علامات حب الرجال والميل نحوهم من الصغر، تتطور هذه الرغبات إلى ممارسات وبناء علاقات مثلية جادة يكبر في السن يبحث عن غطاء اجتماعي لحالته وتحت ضغط والدته ومحيطه يقرر الزواج من موظفة تعمل في شركة التصميم خاصته فتكون أسرته الصغيرة من زوجته وابنته وأمه. في المقابل هناك أسرته الأخرى بـ (البرنس) هو الأب الروحي فيها وشلة (الحبايب) هم أفرادها وفندق (آندريا) منزلهم.

حياتان مزدوجتان وخطان زمنيان متعاكسان هذا ما اعتمده الكاتب في بناء هذه الرواية يشتركان ويلتقيان عند هاني محفوظ قبل وبعد السجن؛ قبل وبعد الزواج؛ قبل وبعد الممارسة؛ قبل وبعد تعرفه على البرنس؛ قبل وبعد حبه لعبد العزيز؛ قبل وبعد وفاة أمه؛ قبل وبعد فقدانه للقدرة على الكلام واسترجاعها… ثنائيات مرافقة لنا هنا في هذه الرواية التي برع كاتبها في إخراجها بلغة سهلة وجميلة وسرد سلس لا يسمح لك بالتوقف عن القراءة؛ يسحبك معه عبد النبي في هذا العمل للاستمرار في القراءة والاستكشاف لعالم مسكوت عنه في عالمنا العربي الغير المتقبل له اجتماعيا وعرفيا ودينيا. جمال الرواية لم يتأثر سلبا من استعمال الكاتب لبعض الكلمات النابية والتي جعلت من العمل أكثر واقعية.

من مميزات الرواية براعة الكاتب في رسم شخصياته خاصة "البرنس" من حيث قوة شخصيته وعلو كعبها ومرجعيتها للمثليين وإحاطته بمسارات الحياة المثلية في مصر، شخصية لن تنسى بسهولة ومع هذا يرجعها لحالتها الإنسانية التي لا تخلو من ضعف وكبوات وإخفاقات تتكشف مع تراكم سنوات العمر. ومعه الراوي الشخصية الرئيسية التي برع في توصيفها بنائها وسبر أغوار نفسيتها جاعلا من هذا العمل الروائي الجميل رواية اجتماعية واقعية نفسية ووجودية.

رواية استطاع بها الكاتب جعل المثلية في عالمنا العربي حالة أو ظاهرة مجتمعية (وإن كانت غير متقبلة من غالب نسمات الوطن العربي) لا بوصفها داءا يؤخذ بيد صاحبه للعلاج قهرا أو جرما يعاقب عليه القانون بل حالة إنسانية ومنتشرة ما زال أصحابها يعانون سواء مع ذاتهم أو مع محيطهم رواية قدمت عرضا لم تكن دعوة ضد أو مع لم تدعي تقديم حلولا كنها بينت سوء حالة الحقوق الفردية والخوف الذي يعانيه الفرد المختلف عن الجماعة.

إذا هي رواية واقعية، اجتماعية، نفسية بامتياز تستحق القراءة لكن ليس لكل القراء؛ فعزيزي القارئ إن كنت تقرأ ومعك خلفياتك وآراؤك المسبقة وإن كنت تعتقد أن المثلية جريمة فلا تقرأها. لا تتضامن مع الأخر فهو شأن خاص بكل فرد لكن أن تمارس ضغطا ورقابة أخلاقية / إلهية فهنا أنت تعتدي وتتطاول على الكثيرين.

وأختطف اقتباسين من الرواية فقط هنا:

*كان الأمل طفلا مشوها، ولد عجوزا وشريرا، يجلس ليقاسمني الشراب كل ليلة، في بارات معتمة وصاخبة، لا أتردد عليها، إلا وقد بدأ سكري بالفعل في أماكن أخرى نظيفة ومحترمة.

* من السهل أن يتحول الضحية إلى قديس في عين نفسه على الأقل، وهو فخ آخر أوشكت على الوقوع فيه. أما في أعين من حولنا، فلم نكن إلا قذارة لا بد من التخلص منها بأية طريقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.