شعار قسم مدونات

رئيس دولة صُنع في..

Blogs- ترمب

"رئيس دولة"، هل هو نتاج خيار شعبي أم هو صناعة ما خفي من أسرارها أعظم مما تُظهره مشهديات السياسة؟ وسواء تعلّق الأمر بأمريكا وفرنسا وغيرهما من الدوّل التي "يُقال" بأنها بلغت سنّ الرشد الديمقراطي، أو تعلّق الأمر بدول عربية وغيرها من دول العالم الثالث التي ليس لها من الديمقراطية إلاّ المسرح السياسي الذي ينتهي بالتصفيق بعد اختتام مشاهد وفصول مسرحية "سلطة ومعارضة".. فأعتقد بأن "رئيس دولة" هو صناعة "متعددة الجنسيات" ولا علاقة لها بخيارات الشعوب وطموحاتها وأحلامها، بل هي صناعة مرتهنة بالسياسي والاقتصادي والعسكري.. ويتمّ التحكّم في هذه الصناعة بما تستدعيه كلّ مرحلة يمرّ بها العالم، وبما يُراد للبشرية أن تتوجّه إليه.

 

قد يبدو الأمر "ديمقراطيا"، ولكن "صناعة" ترمب وماكرون وبوتين و.. ورؤساء عرب، لخلق طقوس التجاذب والصراع وما يصلح بأن يكون مادة للتحليل السياسي يعلكها الخبراء والمحللون، وما يغذّي الإعلام العالمي لتشكيل أنواع من الرأي العام العالمي بحسب ما تستدعيه طبيعة المرحلة التي يُراد للبشرية أن تعيشها.. تلك الصناعة لا تخدم الشعوب في فرنسا وأمريكا وروسيا وشعوب البلدان العربية وأوروبا وغيرها من الشعوب.. ولكنها تخدم مجموعات بشرية غير مُعلنة، وربما ستكون المراحل القادمة هي مراحل مكاشفة البشرية بالقوى الحقيقية التي تصنع الرؤساء وتدير "لعبة الديمقراطية" على خارطة البشر.. فلن يكون هناك حاجة للتخفّي وراء مسميات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.. لتعلن قوى الشر عن أهدافها وغاياتها بكل سفور ودون الحاجة إلى مواد تجميل و"ذرائع" ومبررات..

 

لماذا التركيز على دمار العالم العربي وتفكيكه بأيدي أهله وبأموالهم في فوضى تجاذب بين قوى تبدو متضادة ومتصارعة ولكنها تلتقي على خدمة تلك النكرة التي لا تحتاج إلى تعريف..؟

أعتقد بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها من المصطلحات والمفاهيم "الإنسانية" المُشرقة والغاوية والمغرية، هي مُجرّد أوهام تمّ ترسيخها ليُدمنها الإنسان ويعتنقها وتصير الأفيون الذي يُدخّنه في يومياته.. هي صورة الجنّة التي ترسمها قوى الشر أمام البشر لترمي بهم في جهنّم عن قناعة مًشكّلة ووعي مُبرمج.

  
ما كان السيد ترمب ليصل إلى البيت الأبيض وهو الأجوف سياسيا وإنسانيا لولا أنه الشخصية التي تناسب صنّاع الرؤساء في هذه المرحلة من تاريخ العالم، وكذلك الأمر بالنسبة لماكرون وبوتين وغيرهم كثيرون تزامنوا لتنفيذ أهداف معيّنة لا علاقة لها بمصالح الشعوب.. ومن يفشل في دوره أو تنتهي مهمّته يسقط سريعا ويختفي من المشهد كأنه لم يكن.

 
لماذا انبعثت روسيا من ضعفها، وتوجّهت أمريكا إلى تناقضها وترنّحها بين الضعف غير المُعلن والقوة الزائفة؟ ولماذا تتراقص دول أوروبية على حبال عديدة فهي ضدّ ومع في آن معا؟ ولماذا يُسيطر التهريج على الدول العربية فهي ضائعة في غيّها ولا تملك من أمرها رشدا؟ تبدو الأسئلة ساذجة ولا رابط بينها.. ولكن تفكيك الأحداث والواقع في كل دولة ثم إعادة تجميعها في سياق ترابطي.. قد يكشف بأن العالم محكوم بقواعد لعبة واحدة لا يؤمن واضعوها بالديمقراطية وحقوق الإنسان وطموحات الشعوب.. والسادة الرؤساء والحكّام هم بيادق في اللعبة، ولكل منهم دوره الذي يطلع به عن وعي منه أو بدون وعي وإدراك..

 
والسؤال الأهمّ هو: لماذا التركيز على دمار العالم العربي وتفكيكه بأيدي أهله وبأموالهم في فوضى تجاذب بين قوى تبدو متضادة ومتصارعة ولكنها تلتقي على خدمة تلك النكرة التي لا تحتاج إلى تعريف..؟ ولماذا يُراد للعربي بأن يفقد انتماءه الوطني وينتمي إلى "العالمية"، ويُراد للمسلم بأن يكون مشروع الإرهابي الذي يهدّد العالم؟ ربما لو "تخيّلنا" العالم العربي مُستقرا والمُسلم مؤمنا حقيقيا يتجلى فيه إسلامه.. فكيف يكون حال أمريكا وأوروبا وروسيا وغيرها من دول العالم الأخرى؟ بالتأكيد أن تلك الدول لن تكون قوى تراهن عليها قوى الشر لتقرر مصير البشرية.. فهذه القوى تُدرك بأن الإسلام وما تزخر به الأوطان العربية من ثروات وموارد بشرية هو التهديد الأكبر لقوى الشر.. لذلك يجب تصنيع الرؤساء والتبشير بالديمقراطية و"القيم الإنسانية" بكل الوسائل التي تضمن محاصرة ذلك التهديد قبل أن تشيخ أوروبا و"تعبث" فيها ديموغرافية المسلمين، وقبل أن تتآكل أمريكا وتتفكك ولاياتها، وقبل أن تستيقظ الصين من سباتها التاريخي وتختار حليفها الذي تلتقي معه روحيا.
 
يُكتب على كل منتوج عبارة "صُنع في.." إلاّ تصنيع رؤساء الدول فهي صناعة مجهولة الهوية، ويُقال بأنها صناعة الشعوب باسم الديمقراطية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.