شعار قسم مدونات

عيد مولدي العزيز.. مرحبًا بقدومك للمرة الثالثة والعشرين!

BLOGS عيد ميلاد

عيد مولدي العزيز، مرحبًا بقدومك للمرة الثالثة والعشرين على التوالي، وهنيئًا لي الخمسة وثمانين كيلوجرامًا من الدهون، والصلع الجيني، وحب الشباب الهرموني المزمن والتشكيلة المميزة بدايةً من القولون العصبي إلى الانهيار العصبي من حينٍ إلى آخر. أتيت عزيزي وأنا سَافرة لجميع مكنوناتي، لم ألحظ وجودك قط، لذا كُشفتُ أمامك وأنا في زروةِ ضعفي، فدعني استرسل قليلًا في الحديث عنها، لعلك تتفهم! نعم لم أحقق ما عاهدت سابقك عليه -أقصد عيد مولدي السابق- لم أخسر دهوني بل اعتززت بكل سعرٍ حراريٍ منها؛ نحن على أعتاب مجاعة عزيزي، بعد تعويم الجنيه وما إلى ذلك، سوف يحتاجها جسمي في عملية الكيتوزيس قريبًا، فمهلك علي، لدي أسبابي، وهى بالتأكيدِ لأسباب قوية!

نعم لم أسافر العالم، ولم ازر بلاد الهند، لم أداعب فيلًا ولم أشاهد الآغوري يأكلون لحم جيفات ذويهم في اطباق من جماجم ذوي آخرين، لم ازر تاج محل، ولم ألصق البندي على جبيني، لم أرتدِ ساريٍ أحمر، وطبعًا لم أتناول التشيكن مسالا! لم أصلِ في المئة جامع، لم أكمل العشرة حتى، لم أعد على وفاق مع منظومة التطوع، وتخليت عن فكرة التأثير وعانقت جميع نواقصي، ورضيت بما يُخبئه القدر لي. ففي النهاية ما التغيير الذي تحدثه قطرة ماء في مستنقع حقًا؟ لا شيء، نحن لسنا في إعلان تلفزيوني لذلك المنظف السائل الجبار الذي لا يمحي فقط الدهون العنيدة، بل خطاياك أيضًا؛ نحن في التجسيد المثالي للديستوبيا.

لم أعمل في تلك الوكالة الإعلانية التي لطالما حلمت بالعمل بها، لم أنهي دراستي المنزلية لامتحان الأيلتس، لم أتخرج من كليتي بعد، وأيضًا لم أكمل دراسة الأسبانية لأبعد من المستوى الرابع. لم أتخلص من التسعة آلاف بومة المحلقة فوق رأسي ليلًا كل يوم ناعية راحة بالي واستقراري المادي اللذان ذهبا مع الريح، وما زلت حتى يومي هذا لا أعرف متى سينتهي هذا الصراع الأزلي، لا أعرف حقًا متى سأصبح مثل هؤلاء المشاهير الذين لا يملكون شيء سوى المال، متى سينطبق عليّ قول "الفلوس غيرتها" متى؟! 

بداخلي دومًا قصة لتُحكى، ربما أنتظرك العام المقبل لأحكي لك عن قطتي التي عادت للبيت مجددًا، عن أبي الذي أصبح في النهاية حقًا رب بيت، عن أختي التي تخرجت من الثانوية دون أن ترسب في مادة الأحياء

لا لا.. لا داعي للأسف عزيزي، فأنا أمرُ بأعظمِ فتراتِ حياتي الآن؛ لقد رزقني الله برفيقِ دربٍ خفيف الظل، طيب القلب، سهل المعشر، أتوسم فيه الكوميتمنت والقدرة على تحمل الريسبونسبيليتيز دون كلل أو تذمر. بدأتُ مسارًا تعليميًا جديدًا في مجالِ برمجة صفحات المواقع، وأتمنى لو أسعفتني خلاياي الدماغية وتقبلت قدرًا بسيطًا إضافيًا من العلم، قد أصبحت أنسى إسمي وسني عندما أذهب في مقابلة شخصية وأُسأل عنهم، أى خلايا هذه التي تفعل ذلك بحامليها.. اللعنة! أصبحت، وبطريق ما، أكثر نضجًا وتقبلًا لما تعصفه الحياة بوجهي؛ كان شرًا لابد منه، وإلا سأجن وأكتب مقالات غير منطقية أحدث فيها كيانات افتراضية كأنها أشخاص حقيقية .. عذرًا لم أسمعك، ماذا قلت مجددًا؟ تحب الفراولة؟ آآه وأنا أيضًا!

عزيزي، أنا حقَا بحالِ طيب، نعم يؤلمني ظهري دومًا، أعاني من عسر هضم، ربما من الأملاح والحصوات الكلوية أيضًا، بعض من التشنجات والصداع النصفي المُزمن، اكتئاب وتوتر، وربما أيضًا ميول للقتل، لكني بخير، هذه ضريبة العيش على كوكب الأرض قرابة الربع قرن، ماذا سأنتظر من العالم؟ ثماني آلاف يورو لحساب مغلق في ألمانيا مثلًا؟! جُننت أنت؟!

تعلم، بداخلي دومًا قصة لتُحكى، ربما أنتظرك العام المقبل لأحكي لك عن قطتي التي عادت للبيت مجددًا -أوهانا، أسميتها أوهانا- عن أبي الذي أصبح في النهاية حقًا رب بيت، عن أختي التي تخرجت من الثانوية دون أن ترسب في مادة الأحياء كما فعلت أختها الكبيرة، عن ذهاب أخي إلى البقالة بمفرده للمرة الأولى، عن طبخ أمي الذي لا أجد مثله أبدًا وصراعي في بيت الزوجية لتقليده، ربما أفوز باليانصيب، ربما أشاهد الآغوري حقًا وأشاركهم وليمة أو اثنتين، ربما يأتي لاحقك ليجدني أفضل مما أنا عليه الآن! كل عيد وانتَ مولدٍ جديدٍ لي عزيزي.. لك كل الحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.