شعار قسم مدونات

بيني وبين نفسي!

blogs إنسان تفكير، تأمل

بيني وبين نفسي الكثير من الخصام، ولربما هي مرات قليلة كنا على توافق، أعاتبها على كل شيء مهما كان تافه، حتى أن الروح تعبت من هذا الحال، تعبت من هفواتي وزلاتي، تعبت مني، تعبت من وعودي ألا أزل مجددا، الروح ترغب في توازن وسلام، فما عادت ترضيها عشوائية الحياة، إما استقرار والعيش على هدف، أو التيه وفقدان البوصلة إلى آخر الزمن.

الكثير من الأمور تمنيت أن أحققها، جاءتني الفرصة بل الفرص، وضيعتها بدون سبب، ضيعتها لسذاجتي وعدم اهتمامي، وكم أحترق ندما على تضييعها، أكان قدرا أن تضيع تلك الأماني، أم إني المسؤول عن كل التفاصيل. كم وددت لو يرجع الزمن، كم وددت أن أصلح ما أفسدته، كم وددت أن أُشْفي ما جَرَحْتُ فيا. صرت الآن ذو عقل شارد وروح تائهة، لا أعرف ما سأفعل غداً، كل ما يشغلني أخطائي وهفواتي.

لربما الخطأ الذي يترك النفس تحترق فتسعى لما هو خير لها، خير من توفيق يعميها عما هو شر لها. نتعلم من الخطأ ما يسوؤنا، لكن بعد المرات نصر على الخطأ نفسه، لم نجد طريقة أخرى تصلنا لما نريد، فأعدنا نفس الخطأ لأننا ببساطة لم نُعَّدِل كيفية تفكيرنا، بعض الأمور لربما نمضي أسابيع نحاول أن نجد سبيلا لها، وأخرى لا نصلها وحدنا، بل سيعيننا شخص ما.

لآن لم يعد في النفس نفس تقبل الفشل وتُعايشه في رخاء وسلام، سأطارد غاية، حلما، شيئا يبعث المعنى في حياتي، يملأ روحي أملا ويمضي بي قدما

في كل مرة أصارع نفسي، تعود بي الذاكرة إلى أشياء مضت عليها سنين طوال، تمر كل لحظات الفشل والإخفاقات أمام عيني واحدة تلو الأخرى، كأنها لتو وقعت، أعجز عن الكلام حينها، وأُطْرِق لذاك الصوت الداخلي القاهر، صوت العتاب وعدم الرضى، فأسمع صوت آخر بين جدران نفسي يقول أن كل حياتي عبت في عبت، لا أنا وصلت لغاية ما ولا عبدت إلهً كما يجب، فشلت في كل الأشياء، ما فائدتي في هذه الحياة!

 

ثم يتليه صوت آخر، أيها الأخرق المتشائم عن أي إله تتحدث إن ربك الله، يقبل كل عائد إليه، يأخذ بيد كل تائه لجأ إليه، حينها يبدأ قلبي بالنحيب على حالي المكسور، حينها يبدأ قلبي بالمناجاة، يا من أقرب إلينا من حبل الوريد، يا من اطلع على سريرتي وما أضْمرتُ، وسَترْتني لما زَللْتُ وسترتني وسترتني… قد غرقت فيما يغضبك يا ربي، قد تهت ولم أعرف أين اتجه، ضاقت بي الأحوال، وانقضت الحيل، ربي أتيْتُك ونار الندم تأكل ما بقي مني، فاغسلني يا ربي بالماء والثلج والبرد، إملأني بحبك وحب من يحبك، تب علي يا رب، ولا تكلني لهواي، ارحمني يا رب.

كنت أقدم على الذنب والنفس تقول لي رب غفور، والآن لم يعد في النفس نفس تدعوها للعصيان، غرني حلمك يا ربي، غرتني الفانية، حسبت أني لا أموت أبدا. الآن لم يعد في النفس نفس تقبل الفشل وتُعايشه في رخاء وسلام، سأطارد غاية، حلما، شيئا يبعث المعنى في حياتي، يملأ روحي أملا ويمضي بي قدما، فلن أرضى هذا الفراغ، لن أرضى أن أعيش على حاشية الحياة، لا لا لن أرضى أن أعيش في العدم.

يا من يجيب المضطر إذا دعاه، يا ربي الكريم، لجئت اليك فما لي سواك، كنت أحسب أني أجيد تدبير أموري، لكن لست حكيما ولا لبيبا، أَغْترُ فأُخْفِق ثم أغرقُ في الحسرة والحيرة، فمن ذا يدبر الأمر ويعلم ما كان وسيكون، يكفي أن تسلم له الأمر، وتؤمن بالخير والشر فهو العالم بالقدر. لجئت إليك يا رب أن تدبر لي أمري وتيسر لي ما أخفيت في سري، وأن ترحمني من نفسي، واللهم زدني صبرا على صبري، يا الله يا الله يا مبدل العسر إلى يسر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.