شعار قسم مدونات

لست ملكا لأحد

BLOGS التأمل

كانت متألقة بأسلوبها باللغة العربية، تسحر أساتذتها بتناسق الكلمات التي تتجمل بكتابتها في حصة الإنشاء، كانوا يطربون سمعها بعبارات المديح ويحثونها على صقل موهبتها، فترى نفسها مادة خاما وجب الاشتغال عليها من طرف من يترأسون تربيتها وشؤون تعليمها. كلمة يترأسون نقلتها من رسالتها التي كتبتها لي الفتاة صباح اليوم، خاتمة إياها بعيار من وزن ثقيل أو كما قالت لم أكن أظن في يوم أن الصخرة التي ستطبق على أحلامي هي والداي .

لم أعلم الكثير عن والداي الفتاة غير أنهما يتمتعان بمستوى دراسي عالي، وأنهما يعيشان من أجل أطفالهما، يحاولون بكل ما أوتوا من خبرة اكتسباها خلال الخمسين سنة التي عاشاها في جزء صغير من هده الأرض أن يحموهم من الفشل، يريدون أن يرووا أطفالهم بدون أدى جسدي ويحاولون إبعادهم عن الأذى الروحي، علماهم الصلاة وحسن الخلق ومثلا لهم على شكل حكايات ما عاشوه من تجارب، ناصحين إياهم بالحذر من الوقوع في مثلها، لكن لربما كان الكلام موجها للذكور أكثر من الاناث فالأنثى عندهم لا يسمح لها بالتجربة لأن العاقبة ستمس كل الأسرة أو هكذا يظنون

مخطئ من ظن أن المستوى الدراسي للوالدين وعلوه سيساهم في سهولة التربية والتفاهم مع الأبناء. ثلاثون سنة في فارق السن بنيت وهدمت خلالها مشاريع وأفكار ولد خلالها أطفال ومات شيوخ. هل سيكون المستوى الجامعي شفيعا لتكون القرارات التي يتخذ الاباء في حق أبنائهم صحيحة والتي تعلل بشعار أنا أكبر منك سنا أنا أعلم منك بمصلحتك.

هي في سن العشرين عشوائية الهوايات تطير وتحط في الكتابة كهواية تارة ثم في فصل أخر تهاجر لتحط في حقل اللغات تريد أن تكتسب ثلاث لغات في أيام فتأخذ القليل من كل منها وتطير من جديد لمجال أخر

لم نولد لنكون ملكا لأحد، ولدتنا أمهاتنا أحرارا ولا يحق لأحد أن يتحكم في اختياراتنا، أين سأقيم ماذا سأدرس أين سأذهب ما الهواية التي وجب علي أن أختار؟ أسئلة المعني بها من له الحق في الجواب عنها، ووجب عليه أن يتحمل كامل مسؤولية قراراته واختياراته مادام قد بلغ سن الرشد، وأصبح محتما عليه أن يقابل الحياة وحده، فليوسعها ضربا أو توسعه هي ضربا، فكما علمونا في المدارس من الخطأ يتعلم الإنسان. لا أقصد بكلماتي أن لا دور لنصائح الأبوين في حياتنا، بل بالعكس وجب علينا أن نأخذها بعين الاعتبار لكن على الوالدين ألا يضعا أبناءهم خاصة الإناث داخل قفص مخاوف التجارب التي مروا بها.

ماذا لا قدر الله لو صافح الموت يدي الوالدين قبل بناتهم، حينها من سينفعهم؟ لعبوا دور الحاجز بينهم وبين الحياة والتجارب لم يسمحوا لهم أن يخوضوا تجربة بمفردهن، وضعوا أفكارهم والتقاليد العمياء وجعلوها تتحكم في جيل غير جيلهم، قفص معنوي وليس بمادي.. هل جربت يا سيدي أن تدخل على فتاتك التي صارت في العشرين من عمرها ليلا ووجدت وسادتها ملأى بالدموع؟ ماذا ستظن حينها؟ هل تبكي على عشيق خذلها؟ أصدقك القول بالفعل ابنتك تبكي حبيبها الذي يخاف عليها فيمنعها بسبب الخوف من الحياة، تبكي عشيقها الأول الذي سجد لله فرحا حين علم بمجيئها إلى الدنيا وأنه قريبا سيسمع كلمة بابا، كيف وقد وقفت حاجزا بينها وبين ما تحلم به فمرة تتحجج بالموقف الشرعي من مشاركتها في رحلة علمية لكنها بعيدة عن البيت ومرة لا تجد حجة فتقول لها لا وانتهى، ظنا منك انك تحميها من وحشية العالم وأنت لا تعلم وحشية روحها التي تريد أن تنطلق في اتجاه هوايتها وأحلامها فروحها تلك تعذبها في ختام حلم كل ليلة مخبرة إياها أنها لن تتحقق .

سيدي في وقتنا إذا ضربت الفتاة على يد أهلها وخرجت لتحقيق أحلامها، ستلعن من طرف مجتمعها ذا النزعة الشرقية، وكل من سيعلم بقصتها فلن يصدق أنها خرجت في سبيل تحقيق ذاتها في مجال علمي أو أدبي، فقط الجميع سيخمن من يا ترى الشاب الذي أكل قلبها لترحل معه وتترك أهلها. لم تعلم العقول المكبوتة أن الفتاة في هذا الوقت لم يعد الشاب حلمها. هي تريد أن تحقق ذاتها ليس في ميدان معين… هي في سن العشرين عشوائية الهوايات تطير وتحط في الكتابة كهواية تارة ثم في فصل أخر تهاجر لتحط في حقل اللغات تريد أن تكتسب ثلاث لغات في أيام فتأخذ القليل من كل منها وتطير من جديد تريد أن تتعلم الفروسية والسباحة، أليس وقد علمت في صغرها أن الرسول قد حث على الرماية والسباحة وركوب الخيل.

ابنتك سيدي في القرن الواحد والعشرين لا ترضى أن تكون للبيتوتية، وأؤكد لك أنك وإن أغلقت أبواب أحلامها بسبب خوفك ستتمرد بالكتابة
ابنتك سيدي في القرن الواحد والعشرين لا ترضى أن تكون للبيتوتية، وأؤكد لك أنك وإن أغلقت أبواب أحلامها بسبب خوفك ستتمرد بالكتابة
 

فتاة في عمر الزهور لا يحق لكائن كان أن يحجزها بدافع الخوف .ربيت يا سيدي ابنتك وقمت بتدريسها الى أن أتمت دراساتها الجامعية، هل تعلم أن تربيتك وكلامك عن نجاحك تارة وفشلك تارة أخرى في تجاربك جعلا منها فتاة غير عادية، جعلاها ترسم أحلاما لا حدود لها، أرادت أن تكون امرأة هوايات لا تعرف من الطبخ شيئا، لا تريد أن تقيد بأفكار رجل شرقي أيا كنت قرابته، أبا أو أخا أو زوجا فتاة في العشرين من عمرها كاتبة صحفية تفهم في الطب والقليل من الهندسة والأستذة والفروسية والسباحة، أؤكد لك أنها لا تتقن بامتياز شيئا منها، هي فقط تريد أن تكون متعددة التخصصات أينما زرعت تزهر لكن وتؤلمني لكن سجن الخوف لم يسمح لها سوى أن تكتب وأن تطل من نافذة الانترنيت على العالم فترى صديقاتها يحققن ذواتهن، و تطرح السؤال نفسه كل مرة هل هؤلاء البنات لا يخاف عليهم من أنجبوهم. يا ترى كم مرة حاولت فتاتك أن تقنع نفسها أنها للبيت فقط، أن تتقن فنون الأكل وترسم على الحلويات، فإن فكرت أن تنقش على العجين فاعلم أن أحلامها ستنزلق هناك أكيد سيظهر في قطعة من الحلوى أحد أحلامها.

سيدي لا تجعل ابنتك تطيعك فقط من باب الإحسان للوالدين وتلعن معاملتك لها في سرها في زاوية غرفتها، اسمح لها أن تعبر تفضفض، ضع مخاوفك وراءك اتركها تخرج ما في طاقتها إلى أن تنهك تسقط وتقوم، سعادتها هي في ذلك، أعلم أنك تخشى سقوطها، تريد أن تراها دائما مرتاحة الجسد، لكن هل اطلعت على قلبها ؟هل سألتها يوما ما يريحك يا ابنتي وسعدت بالجواب دون انزعاج؟ مول أحلامها بتأييدك لها في كل خطوة تخطوها، فلا تعلم يا سيدي أثر تحفيز الحبيب لحبيبته.

ابنتك سيدي في القرن الواحد والعشرين لا ترضى أن تكون للبيتوتية، وأؤكد لك أنك وإن أغلقت أبواب أحلامها بسبب خوفك ستتمرد بالكتابة. مثل هذه الفتاة يا سيدي إن زوجتها وأخرجتها من ظل أبوتك إلى ظل زوجها، خاصة إن لم يكن باختيارها وأن قلبها لم يدق لأجله يوما، فاعلم أنه إن عصى أحلامها هو أيضا، فستنقلب عليه ستعيشه الضنك، لا تقل لي أنها من باب بر الزوج عليها أن تعيش ما تبقى من حياتها متناسية أحلامها، هل فقط هي من يتوجب عليها البر دائما.

ابنتك سيدي لا تضع طبقات الألوان على وجهها ولا العدسات اللاصقة في اللون الأزرق لتثير من حولها، لكنها مستعدة لوضع عقلها ليزهر في الحلم الذي تهواه، أما قلبها سارع لأن تعيد له الحياة، فقد توقف، و كيف ينبض وقد رأى من حبيبه الأول ما يوجعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.