شعار قسم مدونات

أوقفوا كرة القدم.. هل نحن بحاجة إلى اللعب؟!

مدونات - شغب الملاعب الجزائر

هل نحن بحاجة إلى كرة القدم.. السؤال الذي أطرحه اليوم وبات يطرحه الكثير من متتبعي لعبة "الجلد المنفوخ" في هذا البلد -الجزائر-، فالسؤال يبدو للوهلة الأولى غريبا، في مجتمع يوصف بأنه يتنفس كرة القدم ويفتخر أفراده بذلك!

 

أحداث العنف والهمجية التي وقعت مؤخرا في ملعبي الشهيدين حملاوي وزبانة، والمشاهد المؤسفة التي تابعها الكثير من الجزائريين وسوّقها تلفزيون الشعب، وتداولتها وسائل إعلام أجنبية، في يوم كانت فيه الجزائر في حداد على شهدائها الذين سقطوا ببوفاريك، تدعونا فعلا لمراجعة نظرتنا إلى كرة القدم التي باتت تسيء إلى سمعة هذا البلد، وسمعة شهدائه الذين قُرنت أسماؤهم -الشهداء- بالكثير من ملاعب الوطن، مع أنهم استشهدوا بعدما حاربوا مستعمر شعب وليس فريق كرة!

 

ألا يجب أن نفكر مثلا في غلق ملاعب كرة القدم وتحويلها إلى مرافق عمومية أخرى تقدم خدمات نفعية للمواطن الذي هو بأمس الحاجة إليها، فنستبدل ملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة على سبيل المثال لا الحصر بمكتبة عمومية أو معرض للكتب، نقرأ من خلاله عن الدّين والأخلاق وثقافات الشعوب المتقدمة، وعن التنمية البشرية وبناء الذات وأدب معاملة الآخر، ونعزز لقسنطينة صورتها كمدينة للعلم والعلماء..؟

 

ماذا نجني من بطولة استشرى فيها داء العنف الجسدي واللفظي، وباتت الاتهامات فيها تطال الحكام ورؤساء الأندية بتحويلها إلى سوق للمتاجرة بالمباريات

ألا يجب أن نغلق ملعب عشرين أوت ببلوزداد، وهو الذي يأوي كل أسبوع بعد صلاة الجمعة مباراة لتقاذف الجلد المستدير، ترفع خلالها هتافات السب والشتم على مسامع العائلات الساكنة بجوار الملعب! ألا يجب تهديم هذا الملعب وتشييد مكانه مدرسة قرآنية على سبيل المثال، نشيّد فيها الأخلاق ونداوي أمراض الحقد والكراهية التي أصابتنا بفعل الكرة، ويعاد فيها بناء الفرد وتقويمه، وإعادة الروابط الأسرية التي هدمتها هذه اللعبة لسابق عهدها، ويعاد معها الحياء للاستقرار بالبيوت بعدما تم تهجيره لسنوات خلت؟

 
ألا يجب أن نفكر في غلق ملعب أحمد زبانة بوهران الذي تتحول مدرجاته كل أسبوع إلى مرتع لأفراد يدخلونها كأشقاء من البلد الواحد، ويتحولون فجأة أثناء المباراة إلى أعداء فرّقهم جلد منفوخ، يتبادلون عبارات تخدش الحياء وتحمل الكثير من العنصرية والابتذال وسوء الأخلاق؟ أليس من الأجدر مثلا أن يتم تحويله إلى حديقة للتسلية والترفيه أو أي مرفق سياحي آخر، يُفرغ فيه مواطن وهران همومه ويزيد مدينة الباهية بهاء؟

 

ألم يحن الوقت لتعويض ملعب عمر حمادي ببولوغين الذي تُشتم فيه أمهات اللاعبين كل أسبوع كما في بقية الملاعب، وتتنقل إليه الجموع من أنصار اللعبة بالصواريخ (المهلوسات) والخناجر وبكافة أدوات العنف، نعوّضه بمستشفى محترم تفتقد إليه العاصمة والكثير من المدن الجزائرية، يعالج فيه الكثير من المرضى جسديا من الذين يعانون في صمت، ونفسيا من الذين يكبتون هموما ومشاكل ولم يجدوا غير الملاعب لإفراغ شحناتهم السلبية..؟

  undefined

 

ألا يجب إزالة ملعب أول نوفمبر بتيزي وزو الذي أزهقت فيه روح لاعب أجنبي قبل سنوات، في صورة مؤسفة جلبت العار لمنطقة القبائل والبلد، ذلك الملعب الذي يستقطب لاعبين من مختلف أنحاء الوطن، وقد قضوا أسبوعا كاملا قبل المباراة في تجهيز عضلاتهم وتقويم أقدامهم بدل عقولهم، ويرسم خلاله المدربون خططا عن كيفية بلوغ جلد منفوخ شباك منصوبة على طرف الملعب.. أليس هذا هو الهراء بعينه..! ألا يجب تعويض هذا الملعب الذي يتسع لقرابة خمسة عشر ألف متفرج بمصنع يُشغّل خمسة عشر ألف عامل؟

 
ماذا نجني من بطولة استشرى فيها داء العنف الجسدي واللفظي، وباتت الاتهامات فيها تطال الحكام ورؤساء الأندية بتحويلها إلى سوق للمتاجرة بالمباريات، كما صارت نواديها عقيمة عن إنجاب لاعبين يستحقون الدفاع عن ألوان المنتخب، وأصبحت بعض المنابر الإعلامية مقاهي شعبية تقتات من هذه البطولة العرجاء، باستقطاب من هب ودب من محللين تجاوزهم الزمن، يعملون على إذكاء وتأجيج الفتنة بأساليب فجة بدل محاربتها ووأدها!

 

ألا يجب أن نغلق كل ملاعب الوطن الكبرى ونكتفي بمشاهدة هذه اللعبة على شاشات التلفاز..؟ حينها نعمل على بناء فرد يزيح الكرة من سلم أولوياته، سندرك وقتها المعنى الحقيقي لشعار "أكثر من مجرد لعبة"، ونتوق لامتلاك ملاعب الكرة، لا مشاجب لتعليق الفشل.. تلك الملاعب التي نتخذها ملجأ للتسلية والترويح عن النفس، وليس لتصفية الحسابات وممارسة العنف بكل أطيافه والإساءة للذات والآخر..!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.