شعار قسم مدونات

أزمات الاتحاد الأوروبي تهدد فكرة التعاون الدولي

مدونات - الاتحاد
تأسس الاتحاد الأوروبي على هامش معاهدة "ماسترخت" المبرمة في عام ١٩٩٢، بعد سلسلة من عمليات التعاون بين الدول الأوروبية بدأت عام ١٩٥١ بإنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ، وكان ذلك على يد ست دول من بينها فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا. وبهذا التعاون الذي شمل عدد من المجالات وعلى رأسها السوق الموحدة والعملة الواحدة، أسس الاتحاد الأوروبي لمجموعة اقتصادية وسياسية قوية، منطلقاً من ضرورة إيجاد كيان قوي يحمي مصالح الدول المجتمعة، على أساس أنه لا مستقبل للكيانات الصغيرة في عالم تحدد مستقبله الكيانات الكبيرة، وخاصة أن دول الاتحاد تقع على رقعة جغرافية واسعة واستراتيجية (بين المشرق والمغرب)، إضافة إلى العدد الكبير من السكان والذي يتجاوز نصف مليار نسمة.

 

ولعلّ عملية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي دون الوقوف على أي حاجز، تبقى أحد أهم التجارب الفريدة التي يمرّ بها أي زائر إلى دول الاتحاد، من حيث سهولتها وسرعتها، فهي فكرة غير موجودة في أي منطقة أخرى في العالم، على الرغم من التنوع العرقي وتعدد اللغات، كما أنها تعكس الميزات الاقتصادية العائدة على التجار من خلال هذه العملية. لا شك أن الاتحاد الأوروبي اليوم فقد شيئاً من بريقه بعد مروره بعدد من الأزمات، وهي "أزمة اليونان" و"أزمة اللاجئين" و"خروج بريطانيا".

 

أزمة اليونان
انفصال بريطانيا كلف الاتحاد الأوروبي خسارة نحو ١٥ في المائة من قوته الاقتصادية، كما كان له الأثر السلبي الكبير على التأثير في السياسة العالمية، حيث أن المملكة المتحدة لها مكانة كبيرة

لم تتمكن الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي من جعل اليونان تحذو حذوها في الانتقال إلى مصاف الدول الصناعية، وأن تكون أحد الدول القوية في الاتحاد، على العكس من ذلك فقد تبين أن الحكومة اليونانية قد زورت البيانات الاقتصادية لجعلها تتطابق مع بنود اتفاقية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وذلك نتيجة ارتفاع في العجز والدين العام نتيجة الإنفاق العالي على مختلف القطاعات مع ضعف في الايرادات. حيث تم إعطاء اليونان مهلة عامين لتحسين اقتصادها وتعزيزه والحد من العجز المتراكم عليها على أثر اكتشاف مجموعة اليورو للبيانات الاقتصادية المزورة.
 
عقب ذلك عدد من المحاولات لانتشال الاقتصاد اليوناني من الحفرة الكبيرة التي وقع فيها، وحملت دول الاتحاد على عاتقها تلك المهمة، لمنع أي محاولة من قبل روسيا أو الصين المنافستان للقيام بذلك، ووصل الدين العام في عام ٢٠٠٧ إلى ٣٠٠ مليار يورو، مما أدى إلى حدوث ركود اقتصادي وزعزعة الثقة في سندات الحكومة اليونانية، وجعل هناك تخوف من قبل الدائنين والمستثمرين الأوروبيين. وأعطيت اليونان ٢٤٦ مليار يورو لسد العجز والعمل على تطوير البنى التحتية ومساعدة الاقتصاد اليوناني على التعافي، ولكن النتيجة كانت معاكسة حيث تقلص الاقتصاد اليوناني، وارتفعت نسبة البطالة بنسبة ٢٥ في المائة. ويعود السبب إلى أن جميع القروض التي تلقتها اليونان استخدمت لدفع الديون الخارجية المستحقة وليس في الإصلاح الداخلي.

 

أزمة اللاجئين

جاءت أزمة اللاجئين عقب تفاقم الوضع الإنساني في العديد من الدول العربية وعلى رأسهم سورية، التي تعاني من حرب مستمرة منذ عام ٢٠١١، بعد قمع القوات السورية للاحتجاجات المدنية المطالبة بتغيير النظام والإقرار بالحريات العامة وتحسين الأوضاع المعيشية، وما تبعها من تصادم كبير بين المصالح الدولية الذي جعل مستقبل البلاد غامضاً، وهو الأمر الذي جعل مئات الألوف من اللاجئين يتدفقون إلى دول الاتحاد الأوروبي طلباً للجوء والاستقرار. ذاك الأمر دفع دول الاتحاد الأوروبي لوضع حد لتلك الأزمة، واتخذت إجراءات لوقف تدفق اللاجئين الذي ترافق مع تصاعد العمليات الإرهابية في عدد من المدن الأوروبية، كما تم الاتفاق على إعادة توزيع اللاجئين، والتفاهم مع تركيا لإعادة قسم من اللاجئين إليها مقابل حصول الأخير على ثلاث مليارات يورو سنوياً.

  undefined

 

خروج بريطانيا

جميع الأزمات السابقة دفعت ٥٢ في المائة من البريطانيين إلى التصويت على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، حيث أن البريطانيون باتوا يرون أنهم يدفعون مبالغ طائلة لسد حالات العجز الموجودة في مناطق أوروبية أخرى كاليونان، إضافة إلى الخوف المستمر من موجات اللجوء التي حملت معها منفذي العمليات الإرهابية. هذا الانفصال كلف الاتحاد الأوروبي خسارة نحو ١٥ في المائة من قوته الاقتصادية، كما كان له الأثر السلبي الكبير على التأثير في السياسة العالمية، حيث أن المملكة المتحدة لها مكانة كبيرة كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي.

إن آلية التعاون التي وصل إليه الاتحاد الأوروبي اليوم هو النموذج الأكثر تطوراً على صعيد التعاون بين الدول، ومما لا شك فيه أن الأزمات التي مرت بها دول الاتحاد وعلى رأسها الدول الصناعية، لا تقف عائقاً أمام فكرة التعاون التي أوجدت كتلة اقتصادية أوروبية قوية عالمياً، وفتحت مجالاً أمام المسؤولون الأوروبيون للتفكير أكثر بوضع ضوابط أكثر فاعلية في عملية التعاون، وبناء ذلك على أسس صحيحة تحقق المصالح المشتركة للجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.