شعار قسم مدونات

هوامش على خارج النص.. "كنت في ولاتة"

مدونات - كنت في ولاته

تطل من "جديد" مشكلة الإخوة الذين تمت إبادتهم في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، بدم بارد في كتاب: "كنت في ولاته" وهو من أهم ما انتجه الأدب النثري للسجون بموريتانيا منشور منذ سنوات، تقدمه الجزيرة ضمن برنامجها: "خارج النص" غير أن الملفت للانتباه، حقا هو حجم تبلد الإحساس لدى البعض في الإصرار على انكار حق هؤلاء المواطنين في الانتصاف من ظالميهم في مراكز القرار المختلفة، حين وقوع المظالم عليهم فتراهم بدل التفتيش عن القصة وسياقها وتداعيتها ومن الظالم وحجم الجرم، منشغلين، بمكابرة الإنكار، ودفن الرؤوس في الرمال، في مسعى للتنكر لحقوق مواطنين موريتانيين نشترك معهم في كل شيء.

 

إن ثمة جرائم سياسية قذرة ارتكبت 89-90-91 في موريتانيا تمت فيها تصفية العشرات من الضباط والجنود الذين خدموا هذا البلد طيلة حياتهم المهنية حتى قضوا في أقبية ظلم الجلاد العقيد الأرعن معاوية ولد سيدي أحمد الطائع الذي يبقى من الضروري محاكمته على هذه الجرائم هو وكبار معاونيه واتباع مسار دقيق لمعالجة ذلك الخطأ، طبقا لمنهج العدالة الانتقالية الذي طبق في أكثر من سبعين دولة وقعت فيها انتهاكات مشابهة، الآن وليس غدا لأن الجرائم التي ارتكبت معروفة المسار طبقا للتسلسل القيادي في الإدارة الموريتانية آن ذاك.

 

الدولة تبنى على العدل ولا تبنى على الظلم وتستقيم بالعدل وتنهار بسبب الظلم، ومكونات مجتمعنا لم تعرف عبر تاريخها الطويل حروب الإبادة الجماعية على أساس عرقي

لقد زرت في العام 2011 موقع الحامية العسكرية في اينال حيث قضى العديد من العسكريين ونجى من هول المأساة العديدون أيضا منهم محمد سي ناشر أشهر كتاب يوثق هذه المأساة حمل عنوان: "جحيم إينال" وفي العام 2012 زرت قرية سوري مالاّ وسط الحقول في لبراكنة، والتي يعتقد أنه توجد بها مقبرة للضحايا، وكنت باستمرار أنتوي زيارة الموقع الذي كشف العام 2012 حيث يُدفن الشاعر والكاتب تن يوسف كي، ورفاقه في ولاتة، حيث اقترح تن يوسف عنوان كتاب المخلد لهذه المأساة. "كنت في ولاتة" لمؤلفه بوي ألاسان هارونا.

 
المنصف حقا لمجتمعنا ولقيمه الدينية والحضارية أن نطالب جميعا بتحقيق شفاف ونزيه في هذه القضية التي تشكل فتيلا خطيرا قابلا للاشتعال في كل وقت وتجاوز المظالم عبر منهج عادل للمصارحة والمصالحة كما حصل في العديد من البلدان الإفريقية، وليس عبر قانون 1993 للعفو عن مرتكبي الجرائم كما يريد الرئيس الأسبق كان ذلك خطأ فادحا والسعي للحق خير من التمادي في الباطل.

 
إن الجرائم البشعة ستبقى جرائم بشعة شئنا ذلك أم أبينا، وأقدر، أن اكتشاف مقبرة مؤخرا لبعض معتقلي اينال المختفين، على الأرجح، تشكل فرصة، لتحقيق نزيه يقوم به القضاء في كافة الأماكن المحتملة وتشكيل إطار للإنصاف والمصالحة الوطنية للوقوف على كل ما حصل والاستماع لكافة الشهود مدنيين وعسكريين واستنطاق المتهمين، والمطالبة باستلام ولد الطائع لينال جزاءه في الدنيا قبل الآخرة ذلك أفضل لمجتمعنا في ظل سياق دولي واقليمي مضطرب مليء بالتحولات، فالأفضل أن تعالج المشكلة الآن مادام كثير من الضالعين فيها أحياء حتى ينالوا جزاءهم، ليس بدافع الانتقام منهم ولكن بدافع إقامة الحق والعدل، وحتى لا تتكرر المأساة مجددا، ويجب أن تكون المعالجة استقصائية، وشاملة لكشف أدوار بعض البلدان المحيطة بنا فيها والمطالبة بتحقيق مشابه فيما تعرض له الموريتانيون في أحداث 89 الشهيرة في السنغال.

 

 

وعلى مراكز الأبحاث الوطنية أن تمارس دورها في الحفر عن تقييم، أداء حركة أفلام السياسي، خلال تلك الحقبة، والتي نقلت بتحريضها القومي، شريحة واسعة من المواطنين الموريتانيين، من وضع سياسي وإداري متقدم، في قيادة البلاد، وشغل أهم المناصب القيادية والسياسية والعسكرية الكبرى، وأخطرها وشغل نسبة كبيرة من الوظائف الإدارية الدنيا، إلى الطرد، بعدما كانوا قادة التأسيس والسبق في الخدمة العامة بالبلاد، فهذا الأداء يجب توضيحه حتى يكون كافة المواطنين على بصيرة وحتى يستوعب الجميع مآل التطرف والطرح الاقصائي فهو يقصي حتى ممارسيه ويخرجهم من فاعلية الأداء وحركة التاريخ.

إن الدولة تبنى على العدل ولا تبنى على الظلم وتستقيم بالعدل وتنهار بسبب الظلم، ومكونات مجتمعنا لم تعرف عبر تاريخها الطويل حروب الإبادة الجماعية على أساس عرقي، لا ننكر وجود الحروب القبلية، فقد ظلت قائمة ولا تزال تندلع أحينا، وجربنا عبر تاريخنا الطويل السيف كحكم، والمكوس والمغارم، كأداة اخضاع واستتباع ورغم ذلك ظلت الصرعات ذات طبيعة أقلوية (Oligarchy) وفي الهرم الأعلى ومحددة وطبقا لمنطق السيطرة السلطوية والأميرية (وتاريخنا الحساني ذو عبر) و(تاريخنا الصنهاجي الزناكي أيضا هو الآخر كذلك) وهذا ما يؤكد ضرورة التسوية والبحث عنها، فحتى نسختنا من القبائل الإفريقية متأثرة إلى حد كبير بالخط التاريخي لثقافتنا وليست كيانا غريبا غازيا قادما من الجوار الجنوبي كلا فهي أيضا جزء منا وتحمل نفسيتنا العنادية والأفضل أن نتجه للعدل، طبقا لشريعتنا الإسلامية وآليات تنزيلها فقها وقضاء، ومبادرة اجتماعية مدنية جمعوية، فالعدل هو حصن الوطن المنيع ودرعه، ودرعه الواقي، من توظيف الجيران لصراعتنا القومية مستخدما أدوات طموحنا لتدميرنا بأيدينا ذلك ما حصل لبلادنا، في غفلة، منا عن استيعاب عبر تاريخنا.

إن مرور عشرين عاما على هذه الأحداث التي بدأت بشكل فعلي منذ العام 1987 يتطلب من الدولة وصانع القرار، أن يصل لتسوية اشكال العسكريين والأطر وما حصل في شأنهم ذلك حقنا جميعا حتى لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى، بحق أبناء الشعب وحتى ننزع فعلا فتيل الفتن التي كثيرا ما اعتبر الخطاب الرسمي كل مطالبة للتسوية من باب إثارة الفتنة، التي نحفظ جيدا "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" لكن محاربي الفتن هنا، على زعمهم يمارسون نوعا رعايتها والعمل على تغذيتها كبركان هامد قابل للانفجار في وجه الوطن في كل حين فضلا عن تبعاته الأخلاقية المدمرة، في عالم العولمة المشبع بحقوق الإنسان، التي تتخذ من طرف الأقوياء وسيلة لتركيع الأوطان بينما لا يجد الضعفاء غير، التشبث بحقوقهم وتحريك كل من ينتصف لهم، إن صانع القرار يتسم بالإصرار والعناد والصلف والمكابرة في تعاطيه مع، المشكلات وإيجاد حلول لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.