شعار قسم مدونات

شهداؤنا ليسوا أرقام!

blogs شهيد

عشر شهداء، مئة شهيد، ألف شهيد، عشرة آلاف شهيد، مئة ألف شهيد، مئتي ألف شهيد، 5 بالمئة، 10 بالمئة، 20 بالمئة، أرقام ونسب باتت تشغل نشرات الأخبار وعناوين الصحف والمجلات، بطريقة جافة لا تحمل أي مشاعر ولا تعكس الحجم الحقيق للمأساة، خصوصاً مع التكرار الذي جعل الأمر يبدو وكأنه مألوفاً للمتابع مع الأسف! حيث اختزلت المأساة بمجرد أرقام فقط! يسمعها الجمهور خلال تناوله الطعام أو قيادة سيارته أو الحديث مع زميله في العمل دون أن تؤثر فيه.

فقد بات عدد الشهداء مؤشراً للمقارنة بين الجرائم التي ترتكب بحق الشعوب على يد محتلها كما هو الحال في فلسطين أو على يد جيوش أنظمتها كما هو الحال في عدد من الدول العربية، وكأن بشاعة جرائم القتل تختلف باختلاف أعداد الضحايا، فالقتل جريمة بشعة مهما كان عدد ضحاياها فقتل إنسان واحد يتساوى بشاعة مع قتل مليون، فالمجرم مجرم بغض النظر عن عدد ضحاياه.

فكل شهيد يرتقي على يد الإجرام هو مأساة لوحده، فالشهيد أو الشهيدة هم بالتأكيد أفراد من عائلة قُلبت حياتها رأساً على عقب باستشهاد الابن أو الابنة أو الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت أو الجد أو الجدة أو الحفيد أو الحفيدة أو الصديق أو المعلم أو… فالشهيد هو محورٌ لحياة عائلته وأصدقائه. فإن أردنا أن نعرف حجم هول المأساة ما علينا إلا أن ننظر بأعين ذوي الشهداء لندرك كم من كارثة حلت بمجتمعاتنا بسبب الظلم والقهر والحرب التي أصابت عوائلنا بالمقتل عندما اقتلعت جزاءً منها، فكم من طفل وامرأة وشاب وكهل ومسن حطم قلبه وقتلت أحلامه بعد أن فقد عزيزاً على قلبه.

كل شهيد هو حياة كاملة بالنسبة لأحدهم وليس مجرد رقم ضمن تقرير احصائي، وهذا ما يجب على الجميع أن يدركه سواء كان إعلامياً أم حقوقياً يعمل على نقل صور الواقع المأساوي
كل شهيد هو حياة كاملة بالنسبة لأحدهم وليس مجرد رقم ضمن تقرير احصائي، وهذا ما يجب على الجميع أن يدركه سواء كان إعلامياً أم حقوقياً يعمل على نقل صور الواقع المأساوي
 

وكم من أسرة شرد أطفالها عندما استشهد معيلها فباتت تعيش بالمجهول في الملاجئ وفي الطرقات، كم من ابن وابنة شهيد وقعوا ضحية عصابات الاتجار بالبشر بعد أن فككت الحرب أركان أسرهم. فالكارثة كبيرة وكبيرة جداً، والخسائر أكبر من أن تعبر عنها تلك الأرقام التي لو أردنا أن نجعلها تعكس جزء من المأساة لوجب علينا مضاعفة الأعداد ربما عشرة أضعاف، ورغم ذلك لن تستطيع تلك الأرقام حمل هول المأساة التي يعيشها ذوو الشهداء وأصدقاؤهم، وهي عاجزة عن نقل حجم الألم الذي سيعيشه أقارب الشهيد في قادم أيامهم.

فلكل شهيد أسرة من أب وأم وزوجة وأطفال وأصدقاء تحطمت قلوبهم بفقدانهم وتهشمت نفسيتهم وضاعت آمالهم، وفقدوا معيلهم، وكم من طفل فرض عليه استشهاد والده لأن يتحمل إلى رجل بغضون أيام حتى يحاول أن يأمن قوت أخوته ويحافظ عليهم وعلى كرامته بعد أن كان والده يقوم بتلك المهام، وكم من زوجة بات عليها أن تقوم بدور الأم والأب لأطفالها الأيتام.

فكيف لرقم أن يعبر عن الحزن في قلب طفلة فقد والدها وهي في بداية مشوارها مع هذه الحياة، فكيف لرقم أن يعبر عن الحزن في قلب أم فقدت فلذة كبدها أما عينها، وكيف لرقم أن يعكس حجم الألم في قلب زوجة فقدت رفيق دربها، وكيف لرقم أن يعكس حجم الحزن لعائلة حين تتفقد أفرادها في مناسبة ما وتجد أن أحدها لن يستطيع بعد اليوم من التواجد بينها وكيف…؟! كل شهيد هو حياة كاملة بالنسبة لأحدهم وليس مجرد رقم ضمن تقرير احصائي، وهذا ما يجب على الجميع أن يدركه سواء كان إعلامياً أم حقوقياً يعمل على نقل صور الواقع المأساوي الذي نعيشه، أو كإنسان يتلقى كل هذه الأرقام، فشهداؤنا ليسوا أرقام!

وكعاملين في المجال الإعلامي والحقوقي يجب علينا إن أردنا أن نحرك الرأي العام تجاه قضايانا أن نعتمد على "أنسنة" المعاناة أي أن نحاول قدر الإمكان أن نتناول القصص الإنسانية لمعاناة عوائل الشهداء، قصص أطفالهم ووالديهم، كيف انقلبت حياة الأسرة بفقدان أحد أفرادها، أن ننقل جزءاً من الألم الذي حل في قلب طفل ينتظر والده حتى يأخذه إلى المدرسة، إلى طفلة مريضة تنتظر والدها الشهيد أن يعود حاملاً معه أدويتها، عن أم اشتاقت لابنها الذي خرج وعاد محملاً على الأكتاف، لأب مسن فقد سنده الذي ربّاه يوماً بيوم وساعة بساعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.