شعار قسم مدونات

الهاتف والمجتمع.. كيف تقتل الهواتف الذكية أطفالنا وتفكك مجتمعاتنا؟

مدونات - جوال موبايل هاتف

في عام 2006 نشر كاتب روايات الرعب المشهور ستيفن كينغ رواية بعنوان "خلية" يتخيل فيها عالما تكون فيه الهواتف الذكية ذات تأثير شديد على التواصل والتفاعل الاجتماعي والذي سرعان ما اختطفتها هوليوود لتحول الرواية إلى فيلم كعادة روايات كينغ المشوّقة. في قصته "الخلية" "CELL" يتم إرسال إشارة عبر شبكة الهاتف الخلوي العالمية بشكل مفاجئ، ويتحول أصحاب الهواتف الذكية إلى زومبيات طائشة، حيث يبدأ المجتمع بالانهيار لأن هؤلاء الهاتفيون أو "الفونرز" يهاجمون أي شخص حولهم ويحولونه إلى زومبي مثلهم بمجرد عضة واحدة. ويتبقى فقط أولئك الأشخاص ممن لا يستخدمون هواتف ذكية فلا يطرأ عليهم أي تغيير! ومع أن رواية كينغ هي خيال علمي، إلا أنها تشابه الواقع في بعض الأحيان. بطبيعة الحال.

 

إن الهواتف الذكية لا تحول أي شخص يقتنيها إلى زومبي بل قد تفعل ما هو أبشع! إذ قد تدفع أطفالنا إلى الانتحار. وهذا ما حصل بالفعل نتيجة ظهور لعبة فيديو مؤخراً تسمى "الحوت الأزرق" إذ دفعت تلك اللعبة اكثر من مئة وثلاثين طفلاً في الولايات المتحدة ممن لعبها إلى الانتحار أضف إلى ذلك عشرات المفقودين! وقد يقول قائل: إن اللعبة في الولايات المتحدة وليست في بلداننا فما الذي يدعو إلى القلق! في الحقيقة إن هناك عدة أمور تدعو إلى القلق أهمها وأقربها الوسم الذي انتشر كالنار في الهشيم في البلدان العربية قبل فترة بعنوان لعبة مريم والذي يعتقد البعض أنه النسخة العربية للعبة الحوت الأزرق بالإضافة إلى أن أي شيء يُنشر على الإنترنت لا توقفه حدود ولا بحار!

 

قبل البدء باستعراض بعض المشاكل الاجتماعية التي نشأت نتيجة غزو الهاتف الخلوي وتطبيقاته للمجتمعات، دعونا نستعرض سوية كمية التفاعل الذي يحدث كل دقيقة على مواقع التواصل الاجتماعي -فقط- عبر هواتفهم الذكية! ولنا أن نتخيل بعد قراءة تلك الأرقام كم هي نسبة هدر وتضييع الأوقات من خلال هذه الإحصائية الأحدث التي قام بها أحد مراكز البحث الإحصائي في الولايات المتحدة لدراسة تلك التطبيقات وأثرها على العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمعات:

 
يحدث في كل 60 ثانية حول العالم على:

بالإضافة إلى تأثيرها على طريقة تعرّف الأشخاص على المجتمع، تؤثر الهواتف الذكية على كيفية نظرة الناس إلى أنفسهم. إذ يخشى بعض علماء النفس أن استمرار استخدام الهاتف يزيد من انتشار النرجسية في المجتمع

فيس بوك: أكثر من ربع مليون صورة يتم نشرها مع مشاهدة أكثر من 70 ألف ساعة من محتوى فيديوي.
يوتيوب: أكثر من 400 ساعة يتم تحميلها وحوالي 700 ألف ساعة يتم مشاهدتها.
غوغل: أكثر من 3.8 مليون عملية بحث.
تويتر: أكثر من 350 ألف تغريدة ماعدا تغريدات ترمب!
إنستغرام: أكثر من 65 ألف صورة يتم رفعها.
سناب شات: أكثر من 210 ألف سناب يتم رفعه.
واتس آب: أكثر من 29 مليون عملية دردشة مع أكثر من مليون صورة ترسل وأكثر من 175 ألف رسالة فيدوية يتم مشاركتها.
نت فليكس: أكثر من 87 ألف ساعة مشاهدة
تندر: مليون عملية سحب
أكثر من نصف مليون تطبيق يتم تحميله
سكايب: أكثر من مليوني دقيقة اتصال

  

يشعر الكثير من الخبراء بالقلق تجاه اللحمة الاجتماعية، فإنه وفضلا عن مساهمتها في ضمور مهارات التواصل، فان الهواتف الذكية تهدد التماسك الاجتماعي بالعموم. نتيجة الاستخدام المستمر للهواتف المحمولة، فقد انخفض التفاعل بين الأفراد بشكل كبير في العديد من الأوساط الاجتماعية. على الرغم من أن الناس لديهم شبكات اجتماعية واسعة ويتواصلون معها بشكل دائم، فإن معظم عمليات التواصل هذه تتم من خلال الهواتف أكثر من اللقاءات الشخصية. ونتيجة لهذا فقد تجد غرفة مليئة بالأشخاص مجتمعين فيزيائياً لكنهم لا يتفاعلون مع بعضهم البعض، اذ ترى ان كل شخص منصبا على هاتفه منعزلا عن جلّاسه. فمثلا أنك تجد من الشائع جداً ان تذهب إلى المطعم وتجد طاولة مليئة بالأشخاص الجالسين حولها وكل واحد يتحدث عبر هاتفه بدل التحدث مع جليسه. تسمي عالمة النفس الامريكية توركل هذه الحالة بـ "مجتمعون لوحدنا" أو (Alone Together). حيث تقول "نحن مجتمعون معاً ولكن كل واحد منا يعيش داخل فقاعته، مرتبط بشدة بلوحة المفاتيح وشاشة اللمس الصغيرة". لذلك تشعر توركل أن هذا السلوك يهدد التماسك الاجتماعي.

 
وبالإضافة إلى تأثيرها على طريقة تعرّف الأشخاص على المجتمع، تؤثر الهواتف الذكية على كيفية نظرة الناس إلى أنفسهم. إذ يخشى بعض علماء النفس أن استمرار استخدام الهاتف يزيد من انتشار النرجسية في المجتمع، لأن الناس مشغولون وبنحو متزايد في مصالحهم وبنفس اللحظة هم متواصلون مع أصدقائهم. فالهاتف الخلوي يسهل تركيز الشخص على نفسه لأنه يشجع الشخصنة. يدل على ذلك ما تم التوصل إليه في 2008 حين استخدمت عالمة النفس في جامعة سان دييغو البروفيسور جين توينج اختبارات شخصية لـ 16 ألف طالب وطالبة جامعيين باحثةً عن صفات الشخصية النرجسية مثل الاهتمام بالنفس، ووجدت أن 30 في المائة كانوا نرجسيين، مقارنة مع 15 في المائة فقط عام 1982.

  undefined

 

وقد تم إعادة الإحصاء في عام 2010 فوجدت أن معدل النرجسية قد ازداد مجددا. أن شبكات التواصل الاجتماعي -واحدة من أكثر استخدامات الهاتف الخلوي- تركز بشكل خاص على تعزيز الذات. وهذا يأتي نتيجة الكميات المهولة من محتوى هذه الشبكات يكون إما اشخاصا يتحدثون عن أنفسهم أو ينشرون صورا لأنفسهم. وأفضل مثال على ما نتحدث عنه هو ظاهرة "السيلفي" وهي التقاط الشخص لنفسه صورة بورترية بكاميرا هاتفه الأمامية، ليشاركها أو يشير اليها على شبكات التواصل. إن هذه الظاهرة انتشرت بتزايد منذ 2014 والتي يراها بعض الخبراء نموذجا صارخا عن مدى زيادة نرجسية المجتمعات. في هذا الصدد يقول بفرلي هيلز الطبيب النفسي"إن تنامي ظاهرة السيلفي هي تعبير مثالي عن زيادة ثقافة النرجسية في مجتمعاتنا".

 

وعلى الرغم من أن هناك خلافا حول ما إذا كان الهاتف الخلوي يؤثر على التفاعل الاجتماعي أم لا، لكن من الواضح أنه سبّبَ تغيرات دراماتيكية في الاتيكيت الاجتماعي. فمثلا، إنه لمن حسن الخلق ان نولي اهتماما كاملا للشخص المتحدث وانه لمن قلة الأدب مقاطعة حديثه قبل ان ينتهي. لكن في عصر الهاتف الخلوي أصيبت هكذا مبادئ بالمسخ. إذ أن العديد من مستخدمي الهاتف الخلوي يجيبون على الاتصال الهاتفي أو يقرأون أو يرسلون الرسائل النصية أثناء محادثتهم لأشخاص آخرين وبشكل روتيني.

 

بل هنالك أنواع أخرى من السلوك الاجتماعي التي قد تغيرت بسبب الهواتف، منها إعطاء المعلومات المهمة كالأخبار السيئة عبر الرسائل النصية أو البريد الالكتروني بدل اعطائها شخصيا. حيث إن هذا السلوك كان يعد وبشكل عام نوعا من الوقاحة في الماضي. مثال آخر يظهره أحد الأبحاث زيادة عدد مستخدمي الرسائل النصية أو البريد الالكتروني للتفرقة بين الآخرين. فحسب استبيان (PRC) التي أجري في الولايات المتحدة أن 22 في المائة من الأشخاص بعمر 18-29 عام قطعوا علاقاتهم مع أحد الأشخاص عبر الرسائل النصية، و28 في المائة تم التخلي عنهم عبر الرسائل النصية.

 

بغض النظر عما إذا كانت التأثيرات جيدة أم سيئة، لكن في الحقيقة أن الهواتف الذكية تغير دراماتيكيا طريقة تفاعل واتصال الناس بعضهم ببعض. يقول بروس مكيني أستاذ الاتصالات في جامعة شمال كارولينا-ويلمنغتون، "سواء أعجبنا أم لا فإن طريقة التواصل بين الأشخاص قد تغيرت وبوضوح". ويعتقد بروس أن مثل هذه التغيرات سوف تستمر. إذ يقول "باعتباره وضعا طبيعيا، فإن التواصل الإلكتروني سوف يستمر في إنتاج تغييرات واضحة في طرق تواصلنا." بعض هذه التغيرات مفيدة، مثل البقاء على تواصل مع أفراد العائلة الذين يعيشون في أماكن بعيدة، ولكن بعضها – مثل ضعف مهارات التواصل الشخصية- قد تؤثر في إنقاص إيجابية المجتمع. أخيراً، فإن السماح للأطفال بلعب أي لعبة من خلال أجهزتهم الإلكترونية من غير مراقبة ومتابعة وتمحيص، قد يعرض أطفالنا إلى مخاطر وخيمة تكون أمراض التوحد وضعف المهارات الشخصية أقلها سوءً. يجدر ان نذكر بحديثه صلى الله عليه وسلم "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته..".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.