شعار قسم مدونات

لماذا نحبّ؟

blogs الحب

كنت صغيرة جدًا حين انتابتني الرغبة الأولى في معرفة معنى كلمة حُبّ، كانت سنوات التّسعينات قد أتت على العالم بمفاهيم جديدة، تحمل بين طيّاتها أمورًا لا تُفهم ضمنًا، تطورًا تكنولوجيًا كبيرًا، ألحانًا جديدةً، موسيقى مختلفة، ملابس مميّزة، انترنت، هواتف نقّالة، وART قناة التّليفزيون التّابعة لمصر والتّي كانت تنقل لنا الحداثة أولًا بأوّل.

لم أكن قد بلغت التاسعة حين سمعتُ محمد فؤاد يُغني والأطفال يتراكضون من حولهِ قائلًا: "الحبّ الحقيقي، بيعيش يا حبيبي، بيعلّمنا نسامح، بنسّينا مبارح، بيعلّمنا نفكّر دايمًا في أيامنا الّي جاية"، ذهبت لأُمّي بكلّ ثقةٍ لأسألها: ما معنى الحبّ؟ كان جوابها بأنّي صغيرة ومن غير اللائق أن أسأل مثل هذه الأسئلة!

فكّرت كثيرًا في طفولتي حول هذا الأمر، وبنيت قصّص حبٍّ مع أبطالٍ مجهولين، بحثتُ في قنوات التلفاز عن أيّ شيءٍ يرشدني لمعنى الحبّ، بين برامج الكرتون، أبطال الديجيتال، كونان، سالي، ساندي بيل، بيل وسيبستيان، ريمي، وسبيستون جامعةً الكواكب كافّةً: كوكب آكشن، زُمرّدة، مغامرات، رياضة.. والكواكب الأخرى التّي ما عادت ذاكرتي القصيرة تحملها.

كان الحبّ بالنسبة لي لا يخرج من الشاشة الصّغيرة التّي تنقل لي العالم، لا يتعدى كونه مشاهد انتظار ران لعودة سينشي المستحيلة، وبكاء سالي المستمرّ على فقدان والدها، ورحلة بحث ريمي عن والدتها، ونضال أبطال الديجيتال للعودة إلى العالم الحقيقيّ، تضحيّة آش من أجل بيكاتشو، إخلاص روميو بعد فقدهِ لألفريدو وحفاظه على العهد هو وبيانكا، شغف الكابتن رابح بموهبته، كان الحبّ بالنسبة لي قصّةً خياليّة لا تمكن أن تتواجد في واقعنا، شيئًا يشبه مسلسلات الكرتون التّي فكّرت فيها مرارًا، لماذا لم أولد شخصيّةً كرتونيّة تحارب الشّر وينتصر فيها الخير دائمًا؟

الحبّ هو المُحرك الرئيس للكون وليس للنساءِ فقط، هو الذّي وجدنا عليه في الأصل وحاربنا من أجل الحصول عليه من والدينا وأصدقائنا وعائلتنا وأحبّائنا

حين كبرتُ قليلًا وانتقلت من مشاهدة مسلسلات الكرتون إلى قراءة القصّص، صرت أبحث في توم سوير عن حبّه لابنة جيرانه، وفي آن على المرتفعات الخضراء عن الحنان المفقود ووالديها البعيدين، وفي الحديقة السّريّة عن اللّغز العالق في عِليَّةِ البيتِ، ثمّ كبرت وكَبُرت الروايات معي فعرفتُ حبًّا من نوعٍ آخر في روايات بيار روفاييل وجبران خليل جبران ومي زيادة وآغاثا كريستي وشكسبير وفيكتور هوجو، لدى بثينة العيسى وأحلام مستغانمي وأثير عبدالله وليلى العثمان وسعود السّنعوسي ومحمد حسن علوان وإليف شافاق، وكم تمنيت لو كنت شخصيّةً في خيال إليف، وجدتهُ أيضًا في صوت أمّ كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وأسمهان.

ثمّ انصدمتُ فجأةً حين عرفت كيف يُفسّر المجتمع معنى الحبّ، المرأة التّي تذكرُ الحبّ علنًا هي امرأة لا تخجل! لم أفهم السبب بدايةً ولم يردعني هذا الأمر من الكتابة عن الحبّ، حاول والدي في البداية ابعادي عن هذا الطريق في الكتابة بإشغالي بالقضايا الوطنيّة والتّعليميّة لكن هذا لم يمنعني من العودة إلى الموضوع الذّي يشغُل معظم النساء: الحبّ.

يقول البعض إنّ المرأة تظلّ تنقص عن الرّجل لأنّها تُفكّر بعاطفتها أكثر من تفكيرها بعقلها، ويدعمون أقوالهم هذه بأنّ معظم النّساء الّلواتي يكتبنّ لا يتطرقنّ بمواضيعهنّ سوى للحبّ، ويقول علي عزّت بيغوفيتش إنّ الرجال يكتبون في مواضيع مختلفة عن السياسة والاقتصاد والزراعة والعمل والصّداقة وفي مختلف القصّص، لكن الموضوع الأساسيّ الذّي يشغل النّساء هو الحبّ، فلا يكتبنّ إلّا عنهُ.

أختلف وأتفّق مع المقولة أعلاه، تبحث المرأةُ في طفولتها عن حضن والدها حيث تجد فيه بطلها الأول الذّي تتعلّم معه كيف تتسلّق أغصان العالم، حين تتمكنُ من الوصول إلى أعلى الشّجرة ترفع أنظارها صوب الجبال لتتسلّقها، بعض النّساء يُفضلنّ وجود رجلٍ حولهنّ، الأخ، الأب، الحبيب، الزوج، والبعض الآخر يكملنّ المسيرة بمفردهنّ والأمثلة في عصرنا هذا كثيرة، لكن وصول المرأة إلى قمّة الجبل في النّهاية يحدث لأنّها أرادت، ولأنّها أحبّت فحسب.

البعض الآخر يجد الحبّ في الأمومة والزواج وإنشاء أسرةٍ دافئة، هذا لا يُقلّل من قيمة المرأة وأهميتها وطريقها في البحث عن الحبّ، فالحبّ هو المُحرك الرئيس للكون وليس للنساءِ فقط، هو الذّي وجدنا عليه في الأصل وحاربنا من أجل الحصول عليه من والدينا وأصدقائنا وعائلتنا وأحبّائنا، الحبّ لا يقتصر على العلاقة بين الرجل والمرأة، بل يحمل بين جيوبه العالم أجمع!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.