شعار قسم مدونات

الغُمَّة العربية بالظهران!

blogs القمة العربية
جاء في لسان العرب لابن منظور الانصاري -رحمه الله- في دلالات كلمتي "قمة" "وقمة" "فالقمة" من كل شيء أعلاه "والغمة" غم، وحزن، كرب ومصيبة .ولكي تعلم أن "قمتهم" هذه ما هي إلا "غمة" وبما أن الجمع جمع للعرب فلتعود معي أيها القارئ العزيز بالذاكرة إلى الوراء قليلا إلى عام 590م، من ذي العقدة عندما أتى رجل من "زبيدة" خارجا بتجارته فاشتراها العاص بن وائل وكان ذا قدر وشرف فحبس عنه حقه فاستعدى عليه "الزبيدي" الأحلاف وهم (عبد الدار، ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدي) فأبوا أن يعينوه على العاص وانتهروه فصعد جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة ونادى بأعلى صوته:

 

يا للرجال لمظلوم بضاعته
ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقضي عمرته
يا للرجال وبين الحجر والحجر
إن الحرام لمن تمت كرامته
ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

 

فما كاد الرجل ينتهي من كلامه حتى ثارت كوامن المروءة، والنجدة، والحمية في القلوب حتى قام رجال من العرب ودعوا للنجدة الرجل فتحالف رجال على رأسهم "الزبير بين عبد المطلب الهاشمي، وزهرة، وتيم بن مرة " في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي فتحالفوا، وتعاقدوا، وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه "ما بل بحر صوفه، وما رسا حراء وثبير مكانهما" وعلى التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف ب"حلف الفضول" ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة "الزبيدي" فدفعوها إليه وقال الزبير بن عب المطلب:

 

إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا
ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاهدوا وتواثقوا
فالجار والمعتر فيهم سالم

  

عرب الأمس كانت تكفيهم صرخة واحدة من امرأة في أقصى بقاع الأرض فتجتمع لها الجيوش، واليوم آلاف الصرخات والكلمات، فلم لم تتحرك

حسنا عد معي -أيها القارئ الكريم-إلى محيطنا العربي حيث الجراح الغائرة والقلوب المكلومة وبمرارات الظلم والأسى والخيانة ذاكرا فلسطين حيث غزة المحاصرة من العربي المسلم قبل المحتل الصهيوني، والأقصى الأسير .وعرج معي إلى سوريا هناك حيث بحور الدم والدموع هناك حيث اجتمعت شياطين الإنس، والعراق المكلوم، والصومال التي ما انفكت تعاني من ثالوث الموت "الفقر، والجوع، والمرض" ومصر حيث جمهورية الخوف والبطش وسجون الموت والقهر والظلم، وليبيا التي عاثت فيها أموال ابن زايد فسادا هذه الأموال التي سلطها أصحابها لشراء الذمم والنفوس وبيع الضمائر، واليمن السعيد الذي لم يعد سعيدا، وكل منطقتنا العربية التي تعاني فوق ذلك كله الفقر وسوء التعليم والصحة.. .إلخ. فلن تجد وصفا أبلغ لحالنا اليوم إلا ما قاله نزار:

 

وخريطة الوطن الكبيرة فضيحة
فحواجز ومخافر وكلاب
والعالم العربي إما نعجة
مذبوحة أو حاكم قصاب

 
فهؤلاء المجتمعون في "الظهران" ما اتفقوا طيلة حياتهم إلا عندما اتفقوا على حصار بعضهم البعض، فأموالهم ليست للسائل والمحروم بل لدفع "الجزية" وإسقاط بعضهم البعض. وأسلحتهم لا تعرف عدوا ولا ظالما. قال نزار:

 

فلولا العباءات التي التفوا بها
ما كنت أحسب أنهم أعراب
يتقاتلون على بقايا تمرة
فخناجر مرفوعة وحراب
قبلاتهم عربية من ذا رأى 
فيما رأى قبلا لها أنياب

  

وكأنه يعاين لحالنا اليوم، فعرب الأمس كانت تكفيهم صرخة واحدة من امرأة في أقصى بقاع الأرض فتجتمع لها الجيوش، وكلمات قلائل من إعرابي تجعل المروءة والحمية تثور في صدورهم. واليوم آلاف الصرخات والكلمات، فلم لم تتحرك فهؤلاء المجتمعين في "الظهران" أي حمية ولا مروءة ولا أي ساكن فيهم؟ فالقوم خواء فلا عزة الإسلام ولا مروءة الجاهلية، فنحن في زمن الغثائية التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم حينما سألوه وهو يحكي لهم أن الأمم سوف تتداعى عليهم كما تتداعى الأكلة على قصعتنا فقال قائلهم: أو من قلة نحن يومئذ؟ فقال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل. وما ذلك إلا لركونهم إلى الدنيا.

 

فهذه القمة العربية التي انعقدت بالظهران ما هي إلا "غمة" من غمائم أزمات الأمة العربية تعكس مدى الاستنقاع الحضاري الذي تعمه في بحور ظلماته الأمة. والله هو المستعان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.