شعار قسم مدونات

أيها الجنود المجهولون.. حياتنا بكم جميلة

blogs فريق العمل

لقد حصل معنا جميعا، أن شاهدنا أو سمعنا، حدثا رياضيا مهما، أو استمتعنا بفيلم سينمائي فذ، أو معرض فني خلاب، أو خطاب إنساني عظيم، أو صورة فوتوغرافية نادرة، أو زي يسر الناظرين، أو جمال بشري اخّاذ، فهذا إنسان يتشقلب في الجو، وذاك إنسان يسدد كرة من موضع صعب بطريقة مبهرة، وتلك فنانة ترينا الجمال وأسسه بلوحات مطرزة، وهؤلاء يروون لنا قصة الإنسان وهو في أوج عظمته أو أسفل سفليته بمشهد مجسد مميز، وذاك يمتعنا بزاهي الألوان، وجمال الإنسان، في ملبس وممشى بين الأناة والعنفوان، وهذا يجعلنا نعجب أهناك أصوات أخرى بإمكانها أن تغرد موسيقيا غير الطيور، فتلج إلى أعماق نفوسنا، وتأخذ بجلابيب قلوبنا، وتسرح بها يمنة ويسرة.

 

إن ذلك وغيره الكثير ما هو إلا نتاج جهد بشري كبير وعريض، غير أننا لا نرى إلا التمظهر النهائي لكل هذا الإبداع، فلا نرى خلف تشقلبات لاعب الجمباز فريقا كاملا يبدء بالمدرب والمحفز والراعي ولا ينتهي بمخرج فذ ومصور بارع نقل لنا الحدث كما هو إن لم يكن أكثر إثارة، ولا هذا النجم الرياضي المهاجم الذي يمتعنا بالأهداف إلا وخلفه عشرة لاعبين في الملعب وأكثر منهم بكثير خارجه، ولا هذا الصوت الشجي من الناي إلا وآزره عود وكمان وقانون وغيره، ولا تلك الفرشة الأنيقة إلا وخلفها صاحب فكر، وداعم مادي، وفيلسوف مؤثر، ولم يكن هذا فائز بالأوسكار لأنه نقلنا إلى  ذروة المتعة بمشهد غاية في الروعة، لولا ذاك المخرج، وتلك السيناريست، وأولئك الكومبارس!

القادة الملهمون لهم دور كبير في أن يكونوا محور الأمور، ومفتاح البدء، وشرارة الانطلاق، بيد أن ذلك لم ولن يكون متاحا لهم، لولا أحاطتهم أنفسهم بكم كبير من جنود مجهولين

إن الفارس الأبيض الذي يمتطي صهوة جواده، آخذ بالألباب، محفز للأقدام، زارع للثقة، لم يكن ليكون كذلك، لولا مدربه من خلف الستار، وعالف فرسه، وحداد سيفه، وخياط ملابسه صانع أناقته. إن نظرتنا للأبطال المحيطين بنا نظرة ناقصة، وصورة غير مكتملة، فيها شيء من الأنانية وكثير من نكران جهود الآخرين، إن ما نراه حولنا ما هو إلا انعكاس لجهود وإبداعات وخطط ومثابرة جنود مجهولين، رضوا بأن يمتعوا غيرهم، ويصنعوا أمجاد آخرين، دونما ضجيج أو نعاق، إنهم أناس لا تكتمل فرحتنا إلا بهم، ولا حياتنا إلا بإخلاصهم، أجنحة حبهم وتفانيهم، ترفرف من فوقنا، أرواحهم الشفافة تحيط بنا، ضحكاتهم -غير المسموعة- تملأ وعاء المرح -حد الفيضان- في نفوسنا، وبرغم كل ذلك لا يهمهم سواء عرفوا أم لم يعرفوا، ذكروا أم لم يذكروا، أنهم يصنعون الحياة بطريقتهم الخاصة، إنهم شموع تتقد وتتقد وتبقى موقدة لينيروا دروب غيرهم.

صحيح تماما أن القادة الملهمون لهم دور كبير في أن يكونوا محور الأمور، ومفتاح البدء، وشرارة الانطلاق، بيد أن ذلك لم ولن يكون متاحا لهم، لولا أحاطتهم أنفسهم بكم كبير من جنود مجهولين، هم شركاء النجاح، وتثبيت نجوميته، فالقيادة في نهاية المطاف ماهي إلا الهام الآخرين وتحريكهم نحو هدف وضاء، وغاية سامية، وافق متجدد. حري بنا جميعا أن نحتفل بهؤلاء ونخرجهم من عالمهم المجهول -الذي اختاروا المكوث فيه لنسعد نحن- إلى عالم الشكر والثناء، والتقدير والاحتفاء، ولا بأس فيما بعد أن يعودوا إلى ذلك العالم طالما كنا نحتفي بهم بين فينة وأخرى ويبقوا في دائرة اهتمامنا دائما.

وأنت تقرأ هذه الكلمات- سواء نالت رضاك وهذا ما أرجوه، أم لم تنل رضاك وهذا من طبع أعمال البشر الذي يعتريه النقص وعدم الكمال- فإنها لم تكن لترى النور وتكون متاحة لك الا لوجود جنود مجهولين كانوا السبب في ذلك، أحدهم مبتكر هذا الموقع، وثانيهم مبرمج هذه الصفحات وثالثهم الساهر على تتبع المجرى الطبيعي للمنشورات وسلاسة النشر ودوامه، ورابع وخامس… إلخ. أيها الجنود المجهولون، لم نكن لو لم تكونوا، حياتنا بكم جميلة، قد لا نراكم، ولكنكم معنا في كل صغيرة وكبيرة، تحية حب وتقدير لقلوبكم الواسعة النقية، ولأرواحكم المتسامية، ولنفوسكم المعطاءة، كل يوم، كل ساعة، وكل لحظة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.