شعار قسم مدونات

"البيجيدي" نهاية الاستثناء.. من النضال الإصلاحي إلى الإنبطاح التراجيكوميدي!

مدونات - العثماني وبنكيران

تثير الحياة السياسية المغربية في سياقها العام وخلال السنوات الأخيرة العديد من الأسئلة حول القوانين المتحكمة في اللعبة السياسية، والميكانيزمات المحركة للحياة السياسية لفهم مجرياتها وخلفياتها بعد انتخابات 7 من أكتوبر والتعقيدات التي تلتها والتي أغرقت البلاد في وحول العرقلة السياسية ثم التعسفات الكثيرة في حق الديمقراطية والإرادة العامة.

 

وهناك ظاهرة ثابتة في الحياة السياسية المغربية.. "كل وضعية لا تتوازن فيها القوى المتصارعة تؤدي عفوياً إلى مسلسل تصحيحي يعيد التوازن" ولهذا يتم إعادة توحيد وهيكلة النسق السياسي المغربي، حيث تحركت في السنوات الخمسة للولاية الأولى "للبيجيدي" كل قوى العمل السياسي لمواجهة حزب العدالة والتنمية المهيمن سياسياً بحضوره القوي حيث سجل انتصارا غير متوقع على مستوى شعبية منقطعة النظير لم تخطر ببال الطبقة السياسية وكان هذا الأخير بقيادة عبد الإله بنكيران رائعا في جرأته وقتاله ثم صموده أمام "عداء منهجي" في سبيل منهجه الإصلاحي الذي ما فتئت الأحداث تكذبه، وفي هذا النسق تبدو الأحزاب السياسية مضطربة إلى حد ما.

ومن الإنصاف أن نسجل أن "البيجيدي" الأن في خضم لعبة سياسية محكمة حيث كل لاعب فيها له مصالحه الخاصة وأهدافه التي تختلف عن اللاعب الأخر وكل لاعب في هذه اللعبة مجبر على القيام بأعمال وتحركات ضمن مجال اللعبة التي تقتضي بيع "مبادئك بالجملة" إذ اختار المشاركة فيها بدل مقاطعتها! فرط في أمال الطبقات المتوسطة والفقيرة والطموحات الشعبية ودس على مبادئه وتخلى عن دفاعه عن الإصلاحات ثم ارتمى في حضن حكومة تكنوقراطية أغلب مناصبها الحيوية والسيادية ليست من نصيب أعضائه -والتي كان ينتظر منها أن تُمارس القمع على حراك ريفي!

 

سجل الرأي العام الضعف الذي أصاب الحزب أمام الصعوبات التي تواجهه في قيادته للحكومة لم يكن أقلها "حراك الريف" الذي حظي بتأييد شعبي وقفت حكومة سعد الدين العثماني أمامه عاجزة

وقد تفجرت أزمة بين قياداته عند مشكلة انتخاب عبد الإله بن كيران لولاية ثالثة على منصة الأمانة العامة للحزب، إذ انتصرت المعارضة بانتخاب سعد الدين العثماني أميناً عاماً للحزب بدل "الزعيم" و بالرغم من منحه لقب الزعيم شرفياً إلا أن ذلك يعتبر إهانة له أخد بعين الاعتبار أن رفاقه نحوه بنوع من المكر وقليلاً من اللطافة! ولم يعد إلا نجماً خافتا داخل الحزب وزعيماً وطنياً في نظر الشعب فهل سينتقم له يوماً من الإهانة التي لقيها من طرف قادة الحزب؟ ومن آثار هذه الأزمة أنها أفرزت مجموعة على استعداد تام لركوب حصان الانبطاح وتزويده بتبريرات وخطابات فارغة المحتوى، وشكل هذا بداية التمكن من الحزب بعد الإرادات الحسنة التي كانت ترغب في إضعاف الحزب وتكبيله ها هو يضع يديه بشكل مفضوح في سوق العبودية الاختيارية وجاء هذا تتويجاً لمسار نضالي للدفاع عن الإصلاحات ومحاربة الفساد.

لقد نجح حزب العدالة والتنمية رغم الاختلافات والصراعات الشخصية بين أعضائه على الحفاظ على وحدته الهشة، لكنه خسر الاندفاع الشعبي المؤيد له بسرعة، فغدا حزباً عادياً بسيطاً، كسائر "الأحزاب السلطوية" التي تتطلع الى امتيازات النظام،وقد اختفت "الاستثنائية" من منظومة الأحزاب المغربية "المروجة للأوهام" والتي فقدت كل وسائل الاتصال مع واقع المجتمع المغربي، "وثبت أن سَنَن الكون تجري على المخلوقات جميعاً دون استثناء".

ولقد سجل الرأي العام الضعف الذي أصاب الحزب أمام الصعوبات التي تواجهه في قيادته للحكومة لم يكن أقلها "حراك الريف" الذي حظي بتأييد شعبي وقفت حكومة سعد الدين العثماني أمامه عاجزة، لتنتقل مهمة اتخاد القرارات العملية من يد الحكومة إلى يد الملك الذي تدخل لإعفاء بعض الوزراء الذين تبين تقصيرهم في مهامهم في إطار ما سمي "بالزلازل السياسي" الذي لم يستطيع الوصول إلى الينابيع واقتصر على ذنب الأفعى!

 

وفي ضوء هذه الوضعية تتولى الانتقادات لحزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) على إثر قيادته العقيمة وتحفظه الشديد ازاء انتفاضة الريف وجرادة، وخيبت وضعيته الراهنة آمال الشعب، وجعلت المتأمل للمشهد الانبطاحي يسخر من تراجيكوميدية مستفزة لكل عقل يريد الحفاظ على منطقه إذ لا تؤدي ظروف موضوعية إلا إلى ردود فعل ملائمة، ويذكر أن العثماني صرح "بأنه غير مطلع على ملف جرادة" بينما وزارة الداخلية التي لا سلطة له عليها تصدر بلاغات يومياً حول الحراك. وما نلومه عليه هنا أنه ساهم بانبطاحه في بعثرة ما تبقى من نقط الوضوح على حروف الحقيقة فيصفق الغموض على خطاه حيث انطلق بسرعة صاروخية نحو مراكمة المصالح الأنانية، في انتظار رحمة إلهية بزعيم من فولاذ يعيد للحزب هيبته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.