شعار قسم مدونات

ماذا بقىّ للأوراق أمام سحر الأيباد؟

مدونات - آيباد

صار الإنسان يميل إلى كل ما هو سهل إن لم نقل فلسفة العصر الحالي أصبح الفرد لا يكلف نفسه بذل أي مجهود يكفيه في ذلك النقر على اللوح الإلكتروني لتتدفق مئات الاختيارات تقدم له عروضاً مغرية وجاذبة تشد عقول متلقيها وفق استراتيجية لا مكان فيها للصدفة أو الحظ أمام هذه الاستراتيجية المدروسة التي تتحكم بكيان وقلب ووجدان المتلقي. يثور السؤال التالي هل تستطيع الوسائط الإلكترونية أن تلعب دور الكتاب الورقي أو بعبارة أخرى هل دور النشر الورقي لا يعدو أن يكون إلاّ دورا ثانويا بإمكان القارئ الاستغناء عنه؟ وهل حلّت الأوراق التي تفوح بعطر الطباعة إلى مجرد صفحات جافة ومنصات إلكترونية؟

 

عندما اكتشفت الإذاعة وبعدها التلفزيون لأول مرة ومع تطور هذه الوسيلة العجيبة ظن الجميع أنها بداية النهاية للإعلام المكتوب، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث وما كان يتوقعه الجميع لم يخرج الى أرض الواقع حيث واصلت الكلمة المكتوبة طريقها وكانت في كل مرة تغيّر من مناهجها وأساليبها لتطل على القارئ في حلة جديدة تزيدها بهاء في قلب القارئ، ولا ينكر أحد من أن النشر الإلكتروني قد صرف بعض القراء ببريقه إلاّ أن الكلمة المكتوبة مازالت تقوم بدورها التقليدي ومكنت القارئ من التزود ببحوث أكاديمية ودراسات تعتبر كمرجع.

 
فالقارئ هنا سواء كان باحثا أو طالبا أو حتى هاوي لن يجد بدا إلاّ بالرجوع إلى أمهات الكتب والمجلات لتوضح له المبهم من المعارف والأحداث في حين أن الوسائط الالكترونية تعتمد على وقائع حية ومعلومات سريعة ولربما دورها لا يعدو أن يكون إعلاميا آنيا بعكس الأولى التي يعتبر دورها ثقافيا يعتمد على المنهجية المدروسة. النشر الإلكتروني رغم كل إيجابياته وتأثيره في الحياة اليومية للإنسان واختزاله للزمن وتقليل الأعباء وتقريب المسافات وتوسطه في تقارب الحضارات، إلا أنه كوسيط اتصالي له تأثير على العلاقات الشخصية والمهنية وما يصاحبها من قيم إنسانية. فالاتصالات الإلكترونية بدايتها النشر الإلكتروني وهي في نهاية الأمر اتصالات عمياء لا تُرى فهي تسمح للأشخاص بالمشاركة المستمرة والتجرد من الطبيعة الشخصية وانتهاك تقاليد وأدأب وعادات الاتصال المعتادة والتي توجه عادة سلوك التفاعل الاجتماعي.

  undefined

 

فالأشخاص في النشر الإلكتروني أكثر حرية وغير مقيدين بالعادات والتقاليد والأخلاق فانتشار هذا النوع من النشر اعتبره بعض الكتّاب العرب بأنه يشكل تھدیدا للنشر الورقي وبين مؤید لھذا المنافس الجدید ومعارض له أثیر جدل كبیر في أوساط المجتمع كل لدیه وجھة نظره التي یحاول الترویج لھا.. ففي الوقت الذي يرى فيه طرف أن عصر الكتب والمجلات الورقية قد انتهى وبدا عصر الكتب والمنشورات الرقمية وأن التكنلوجيا ستغلب في النهاية كما أن الجيل القادم سوف يميل الى الكتب والمنشورات الرقمية وستتحول الكتب الورقية الى تحف وسلعة نادرة في المكتبات لو لم تندثر المكتبات في حد ذاتها..

 

يجد الطرف المناهض للفكرة نفسه تقليديا بامتياز وغريبا عن محيطه ومتهم أنه خارج العالم المتطور بسبب ارتباطهم العاطفي بالكتب والأوراق هذه الفئة من القرّاء يجدون متعتهم في تقليب الأوراق بأصابعهم. يعشقون رائحتها ويتفاعلون مع صفحاته يجدون متعة لا يمكن للأجهزة الالكترونية أن تحققها لهم هاته الأجهزة التي يرونها صارت مرضا أصاب البعض بسبب استعمالها الغير تثقيفي وتضييع الوقت ويرون أن المنصات الإلكترونية والكتب الرقمية لا تسهم في تطوير العقل كما تفعل الكتب والمجلات الورقية.. ويؤكدون أنه لا مقارنة بينهما فمن غير المنطقي أن تحل التكنلوجيا محل الأوراق وخير دليل على ذلك أن طرق النشر التقليدية سارية المفعول وأحسن دليل على ذلك أكبر المكتبات العالمية ودور التوثيق والنشر موجودة في الدول المتقدمة التي تعرف تطورا كبيرا في الميدان الإلكتروني.

 

أما الطرف المعتدل والذي يمسك العصا من الوسط يرى أن الكتاب سيظل خير جليس للأنام في كل زمان ومكان سواء كان ورقيا أو رقميا لأن الحكمة في نقل المعلومات واكتساب المعارف.. وخاتمة القول أن الأمر لا يتعلق بصراع أو صدام بين غريمين، بل بحتمية التطور الذي يفرض نفسه شئنا أم أبينا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.