شعار قسم مدونات

ماذا إذا أخذ الإخوان المسلمون بتلك النصائح؟!

blogs الإخوان المسلمون

العالم كله تقريبا يتداعى إلى تجريم عمل جماعة الإخوان المسلمين كما تداعى الأكلة إلى قصعتها وهذا إن دل فإنما يدل على أنهم أصحاب مبادئ وقيم وأنهم لا يعملون لحساب أحد من دون الله ولكن في الجانب الآخر من المشهد فإن عملهم لنصرة الدين خير فيه دخن وهذا الدخن يشمل أبواب السياسة الشرعية والعلم الشرعي والدعوة إلى الله ومن أجل المساهمة في إزالة هذا الدخن أتقدم بتلك النصائح العشرة والدين النصيحة.

النصيحة الأولى

مراجعة سياسية شرعية تقوم على الاعتراف بالحاكم المستبد الجائر ما كان مسلما مع دوام النصح له ليل نهار نصيحة نقية خالصة لله بغير مداهنة ولا مطمع في ظل بيعة شرعية تحترم الحاكم ولا تنزع يد الطاعة عنه وفي ظل احترام لمنصبه وبالتالي تُحل المعادلة الصعبة في علاقة الدعوة بالحكام وتستمر الدعوة في طريقها بلا دخن الطمع في مناصب الحكام والافتئات على صلاحياتهم وهذه المراجعة هي أول الطريق إلى الإصلاح وما لم تُحسم هذه القضية بشكل واضح فسنستمر في تكرار الاخطاء وإعادة التجارب الخاسرة التي لا يستفيد منها أحد من المسلمين البته.

لابد من تأسيس رؤية شرعية واقعية تتعامل مع منظومات الحكم القائمة باعتبارها صاحبة السلطية الفعلية ولابد من اعتماد الرفق واللين في نصح الحكام فليس هناك أكفر من فرعون وليس هناك أعظم جاها عند الله تعالى من موسى وهارون في زمانهما ومع هذا فقد أمرهما الله بقوله تعالى: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" ولهذا قال العلماء والحكماء إنّ من أهم الضوابط لأي عمل جماعي يعمل للدين في بلاد المسلمين هو الاقتصار على النصح والإرشاد للحكام ولا يتعدى ذلك إلى تهديد أو وعيد أو تشهير وإلا آل الأمر إلى الهرج والمرج فلا يستتب الامن ولا يتفرغ الدعاة إلى أصل عملهم وهو الدعوة إلى الله وتعليم المسلمين امور دينهم.

مراجعة علمية تقوم على احترام المذهبية الإسلامية والانفكاك عن المذهب الوهابي المتشدد الذي أضر بالدعوة أشد الضرر لما له من أثر تفريقي بين أفراد الامة الواحدة

إنّ الدفاع عن الإسلام وعن وجوده يتطلب من الدعاة مراعاة صلاحيات الحكومات وعدم تجاوز الحد الشرعي في نصحها باللين والرفق ولا تعارض بين النصح الدائم وبين الأدب في عرض النصيحة ولا مناص للدعاة من الاعتراف بالواقع القائم والسعي لإصلاح ما اعتراه من انحرافات بحكمة عالية وموعظة حسنة وإلا فالبديل سفك الدماء الطاهرة وتشريد الأسر المؤمنة وخلو الثغور والمشاركة في المسؤولية عن الفساد والإفساد.

إن واقع الإخوان الفعلي الحالي بسبب الخلل في فهم السياسة الشرعية من كافة وجوهها هو العجز بكل معانيه العجز عن المواجهة لأنها فوق الطاقة والعجز عن التراجع والمهادنة والعجز عن اتخاذ القرار لغياب ادواته ومبرراته والعجز عن وقف مسلسل الاضطهاد والتشريد وسفك الدماء والعجز عن الحفاظ على الكوادر ووحدة الصف فإن الشباب يتفلت ومستقبلا لا قدر الله العجز عن البقاء في ظل خضم التيارات المعادية التي تجرف كل ما يعترض طريقها فلا بد من تحديد المنهج السليم في باب السياسة الشرعية وسلوك طريقه قبل فوات الأوان والندم على ما كان وما لم يحسم الاخوان هذا الأمر بالنقد الذاتي والشجاعة الفائقة في إعلان المراجعة واختيار الخيار الشرعي السديد فإن المصاب جلل والأمر خطير.

النصيحة الثانية

مراجعة دعوية تقوم على مراعات الأولويات الإسلامية لا الأولويات الحركية فإن كثيرا من المسلمين اليوم لا يتقنون قراءة سورة الفاتحة وكثيرا من العوام لا يعلمون أركان الدين فأيهما أولى تعليم هؤلاء أصول دينهم أم تثقيفهم سياسيا وتعريفهم حقوق المواطنة والمواطنين لابد من التركيز على الشعوب المسلمة وتعليمها أمر دينها فإنها رأس مال الإسلام وأصله ولان يهدي الله بك رجلا واحدا خير من حطام الدنيا باسرها.

النصيحة الثالثة

مراجعة علمية تقوم على احترام المذهبية الإسلامية والانفكاك عن المذهب الوهابي المتشدد الذي أضر بالدعوة أشد الضرر لما له من أثر تفريقي بين أفراد الامة الواحدة بما يطرحه من مسائل مغلوطة تؤول بمعتنقيه إلى الغلو في التكفير والتشريك والتبديع والحشو ومحاربة المذاهب الإسلامية المتخصصة في العقيدة والفقه والتزكية.

النصيحة الرابعة

العمل من أجل الدين ذاته لا من أجل بلوغ سدة الحكم وتطبيق الشرع من هناك وهذا الفهم المغلوط أضر بالدين وأضر بالدولة وأضر بالجماعة فمتى نتخلص من خلل الخلط بين العمل للدين والعمل للدنيا بزعم الدين ومتى نتحرر من فكرة الغاية تبرر الوسيلة فإن رأس مال الداعية هو الصدق في الأقوال والافعال والمواقف ومتى تلون الداعية حتى وإن كان تلونه من اجل الدين تعرى أمام الناس من الصدق ولبس ثياب الزور والبهتان فلا يصدقه الناس ولا ينتفعون بعلمه.

النصيحة الخامسة

نسيان الماضي والتوقف عن البكاء على اللبن المسكوب فالمُلاحَظ لكل مُلاحظ أن الجماعة يُحيل كل الكوارث وكل الاخفاقات وكل الهزائم إلى القضاء والقدر وكأنه الشماعة التي نعلق عليها جميع الأخطاء والمشكلة تكمن في ظنهم أنّ هذا القضاء والقدر ليس على سبيل الجزاء على الخطأ والعقاب على التقصير وإنما على سبيل رفع الدرجات وبلوغ القربات وأن ذلك من سنن الأنبياء والمرسلين فتوقف العاملون عن دراسة الأخطاء وتقييم التجارب وتناسوا ان هزائم المسلمين على مر العصور كانت بسبب التقصير قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" فالهزائم لها أسبابها لا محالة ولابد من علاج تلك الأسباب.

النصيحة السادسة

اعتماد مبدأ العمل وفق الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة وما لا يُدرك كُله لا يُترك جُله والمسلم إذا عجز عن الإتيان بأمر على أكمل وجه فلا يتركه بل يأتي منه ما استطاع قال تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" مع اعتماد مبدأ استيفاء سنن الله في الاصلاح لان معارضة تلك السنن يؤدي إلى الفشل قال تعالى: "فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا".

النصيحة السابعة

 معرفة الإطار الصحيح للعمل الجماعي الإسلامي وأهم ملامح هذا الإطار التفاني في نشر أركان الدين وفرائضه والانقطاع إلى ذلك بمعظم الجهد والطاقة واعتماد مبدا العلنية في العمل للدين والجهر بالحق وتبليغ الرسالة مع الحرص على السلمية الدائمة والصبر التام والصفح والتضحية وعدم تكلف ما لا نطيق وما لا يدخل في صلاحيات الدعاة وعدم العجلة في جني الثمار فإن النتائج إلى الله تعالى ومن تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.

لا مناص من انتهاج السلمية التامة والتزام طريق الدعوة والإصلاح واستخدام الأدوات المسموح بها في خدمة الدعوة وهي كثيرة ولن يعدمها المسلمون بدلا من تكلف الأدوات التي تضر بالدعوة والدعاة ولا مناص من الابتعاد عن تبني الشغب والثورات والمهاترات والتركيز على نشر الدين ذاته وتعريف المسلمين بأركانه وفرائضه.

النصيحة الثامنة

المحاسبة للمخطئ حتى إن كان مرشد الجماعة فلابد من وجود مجلس محاسبة يحاسب القائمين على العمل وكل من يخطئ يعزل من منصبه أو يعاقب على قدر خطئه

مراجعة تنظيمية تقوم على مبدا اختبار الأكفأ والاعلم فإن الدعوة تقوم أساسا على العلم والبصيرة في الدين ومن ثم الطاعة والولاء مع ملاحظة الابتعاد عن المحسوبية في تولي المناصب لأنها تضر بالعمل وتؤدي إلى افتقاد الكوادر وغياب الحنكة في التعامل مع المستجدات.

النصيحة التاسعة

المحاسبة للمخطئ حتى إن كان مرشد الجماعة فلابد من وجود مجلس محاسبة يحاسب القائمين على العمل وكل من يخطئ يعزل من منصبه أو يعاقب على قدر خطئه أما أن تمضي القيادة دون حساب بحجة أن الوقت غير مناسب للمحاسبة والمراجعة فهذا الأمر أضر بالعمل وتضمن خيانة الأمانة وجعل الأخطاء نفسها تتكرر دون أن يعرف أحد مكامن الخلل وأسباب الفشل.

النصيحة العاشرة

التخلي عن الجمود الفكري الذي آل إلى خلل في إدارة شؤون الجماعة واتخاذ القرار داخلها والأدلة على ذلك أوضح من أن نذكرها وليس أدل على ذلك من أن الجماعة تدير الازمات بنفس الأسلوب منذ أزمة سنة 1954 وإلى اليوم وكم من نصائح نثرها الحكماء على الجماعة ولكن لا حياة لمن تنادي.

إنّ جماعة الإخوان تميزت بأنها تحمل الفكرة الشمولية عن الإسلام في كافة مناحي الدين والدنيا ولعل هذا هو أحد أهم أسباب الضربات المتتالية التي تلاحقها في كل مكان فلابد من وقفة صادقة مع الذات لمعالجة الخلل والقصور ونقد الأخطاء والبدء من جديد في بناء رؤية جديدة في كافة المجالات العلمية والدعوية وفق مبدأ احترام التخصص الإسلامي مع تحديث آليات العمل بما يلائم المستجدات ويواكب المتغيرات ويواجه التحديات مع الحرص الدائم على رفع كفاءة الجميع علميا وعمليا وأخلاقيا من أجل القيام من جديد على ثغور الإسلام التي ألزمتم انفسكم أمام الله تعالى بالقيام عليها وتسألون عليها يوم القيامة هذه نصيحتي والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.