شعار قسم مدونات

فلسطينيو العراق.. وتضييق في المعيشة

BLOGS الاجئون الفلسطينيون

مر اللاجئون الفلسطينيون الذين لجئوا للعراق بمراحل متعددة في طبيعة المساكن التي سكنوها، فحال وصولهم كضيوف للعراق عام 1948 سكنوا في المدارس والمعاهد والأندية الرياضية، بعدها تم نقلهم إلى ما يسمى الملجأ كحالة فريدة في السكن، والملجأ هو عبارة عن مبنى كبير وقديم يحوي ما بين 20 إلى 80 غرفة يخصص للعائلة غرفة واحدة أو غرفتين في حال العوائل المكونة من أكثر من سبع أشخاص بحمامات مشتركة للجميع وسط حالة من البؤس.

 

ثم بعد ذلك تم نقل بعضهم إلى بيوت شعبية صغيرة جدا في حي السلام وحي الحرية، ثم بعد ذلك وبناءا على تقرير وبحث كتبه الاستاذ عصام سخنيني مدير مكتب منظمة التحرير في العراق واصفا حالة السكن البائسة في نهاية السبعينيات، تم نقل مجاميع من العوائل الفلسطينية إلى مجمع البلديات وكان هذا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وتطور هذا المجمع ليضم أيضا نادي حيفا الرياضي الفلسطيني مع مرافقه المتعددة من ملاعب وقاعات.

 

وبالمجمل فإن الإحصاءات تقول أن السكن الممنوح من الحكومة العراقية للعوائل الفلسطينية لا يتجاوز 15 بالمائة من الاحتياج الحقيقي للاجئين في أحسن حالاته طوال فترة وجودهم في العراق، أما بقية العوائل، وهم الأغلبية، فكانت إما تتكدس فوق بعضها في نفس الوحدات السكنية أو تبني فوق السطوح، وقلة من اللاجئين سمح لهم وضعهم الاقتصادي بالسكن خارج هذه المجمعات وعلى حسابها الخاص وهؤلاء لم يمثلوا إلا نسبة بسيطة جدا من اللاجئين.

مجاميع بشرية يبنون مساكنهم في أراضي لا تعود ملكيتها لهم بل للدولة أو لأناس أخرين، وهذا ما يحصل في مجمع البلديات للاجئين الفلسطينيين

مجمع البلديات كان من أكبر التجمعات الفلسطينية في العراق ويضم 768 وحدة سكنية، وأصبح الانن في حقبة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق التجمع الوحيد لهم، بعد أن رحل معظم اللاجئين الفلسطينيين بسبب حملات الاستهداف الممنهج ضدهم قتلا واعتقلا وتهجيرا.

اليوم يلجأ لهذا المجمع جميع الفلسطينيين الذين كانوا ينتشرون في أحياء بغداد المختلفة ليكونوا مع أقرانهم من اللاجئين الفلسطينيين على قاعدة حشر مع الناس عيد، والحقيقة أن التضييق عليهم في مناطق سكناهم المختلفة في بغداد يجعل وجودهم في مجمع البلديات نوع من الخروج من الشعور بالوحدة إلى الشعور بوجود الجماعة من حولهم، رغم أن الحقيقة أنه أسوء مكان ممكن أن يعيش فيه إنسان فالحياة فيه عنوانها البؤس والاضطهاد والشعور بعدم الاطمئنان والتعدي والاستبداد سواء من القوات الأمنية المشرفة على المنطقة أو من بعض الأهالي الساكنين في المحيط الجغرافي وخصوصا ممن كان يطلق عليهم ولا زال تسمية الحواسم.

 

وهم مجاميع بشرية يبنون مساكنهم في أراضي لا تعود ملكيتها لهم بل للدولة أو لأناس أخرين، وهذا ما يحصل في مجمع البلديات للاجئين الفلسطينيين من تغول لهذه المجاميع عليهم خصوصا أن القوات الأمنية الحكومية أو قوات الحشد الشعبي والتي تتشكل من أفراد من هذه المجموعات تعيش ضمن هذه الجغرافية المجاورة للاجئين الفلسطينيين مما يعطيهم الجرأة للاعتداء عليهم، بالمقابل فإن اللاجئين الفلسطينيين لا يجدون من يلجؤون إليه في الدولة بحكم أن القانون مغيب في العراق، وحتى لو كان هناك مراكز شرطة فإن شكوى الفلسطيني ضد من يؤذيه من هذه المجاميع هي فرمان موته أو اعتقاله وابتزازه .

من الطبيعي أن يكون لكل مجمع سكني مساحات خضراء تحيط به تمثل متنفسا للأطفال لأجل ممارسة أنشطتهم الترفيهية والرياضية الطبيعية كحد أدنى، ولكن في مجمع البلديات باتت هذه المساحات الخضراء إما برك ماء عفن أو حفر عميقة أو الأخطر وهو التجاوزات لما يسمى بالحواسم وما يبنونه من بيوت على هذه المساحات، وباتت بيوتهم الآن متداخلة مع العمارات السكنية لمجمع البلديات مما يتهدد اللاجئين الفلسطينيين بمزيد من الاضطهاد.

 

فمزيد من التداخل السكني في نفس الجغرافية يزيد من الاحتكاك بين الأطفال على سبيل المثال وأي مشكلة بين الأطفال تكبر وتصبح مشكلة بين الكبار ليس لأن الفلسطينيون يريدون ذلك بل لأن سكان الحواسم يعتبرون هذه الحالة من مصادر الدخل لديهم، فيتم التعدي على اللاجئين الفلسطينيين ثم إدخال الأمر في العرف العشائري ثم ابتزاز الفلسطينيين ماليا لأجل إغلاق المشكلة أو الذهاب إلى القوات الأمنية التي يمثل أبناء الحواسم أحد مكوناتها الرئيسية لذلك فإن النتيجة تصبح معلومة مسبقا، بالانحياز التام لأفراد الحواسم.

يستوجب على الأمم المتحدة والمفوضية السامية العليا لشؤون اللاجئين منع أسباب الاحتكاك المباشر مع الفلسطينيين وتوفير الحماية لهم أو نقلهم إلى أماكن أمنة في نفس البلد أو إيجاد مأوى آمن في بلد أخر

تجاوزات الحواسم التي نتكلم عنها على الأراضي المخصصة للمجمع السكني للاجئين الفلسطينيين شملت أيضا نادي حيفا الرياضي المجاور لمجمع البلديات والأراضي التابعة له أمام أعين المسؤولين وكل من له صلة بهذا الأمر، ورغم ذلك لا يحرك أحد ساكن في هذا الأمر ولا يتم وقف التجاوزات، بل إن المليشيات المتنفذة في المنطقة تقوم بتوزيع الأراضي والمساحات الفارغة على منتسبيها في هذه المساحات رغم أنها لا تملكها، ورغم أن للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين مكتبا في داخل نادي حيفا الرياضي أي أن المكتب على دراية تامة بهذه الانتهاكات ويراها عيانا، إلا أنه لم يصدر أي تقرير عن هذا المكتب يشرح هذه الانتهاكات بحق اللاجئين .

 
هذا التداخل السكني ينذر بكارثة كبيرة لاحت بوادرها في أكثر من مناسبة وهو شعور هذه المجاميع بأنها فوق القانون وبلا رقيب ولا حسيب في تعاملها مع الفلسطينيين المجاورين لهم وأن بإمكانهم فعل ما يحلوا لهم تحت حماية العرف العشائري أو تحت حماية القوات الأمنية، الغريب أن الحل الوحيد أمام الفلسطينيين لم يكن الحل باللجوء للقانون، بل كان الحل هو اللجوء لشخصية عراقية عشائرية للوقوف أمام الحواسم وافترائاتهم، وهو ما يمثل حالة تراجع في الحقوق الإنسانية والمدنية.

إن هذا التهديد يستوجب على الأمم المتحدة والمفوضية السامية العليا لشؤون اللاجئين وبما تمليه عليهم اتفاقيات جنيف 1951 وما يتمتع به الفلسطينيون من صفة اللجوء، يستوجب منع أسباب الاحتكاك المباشر وتوفير الحماية لهم أو نقلهم إلى أماكن أمنة في نفس البلد أو إيجاد مأوى آمن في بلد أخر، وإلا فإن استمرار الاحتكاكات بين اللاجئين الفلسطينيين وبين الحواسم يضاف له الشعور بالاستضعاف التام للاجئين من قبل هذه المجاميع يهدد بارتكاب انتهاكات خطيرة تهدد حياة اللاجئين الفلسطينيين بشكل مباشر.

ربما ما يجري الآن من ترحيل لبعض العوائل الفلسطينية من العراق إلى دول أخرى لتحقيق الأمان لهم يعتبر أحد المخارج، إلا أن المر بطيء جدا ويخلق في بعض الأحيان معاناة من نوع أخر تتمثل في تفتيت العوائل الفلسطينية، الحلول الجزئية هي الصفة الغالبة للتعاطي مع مشاكل اللاجئين الفلسطينيين تاريخيا، ولعل الأمر يحتاج إلى رؤية لحلول شاملة لهذه الإشكالات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.