شعار قسم مدونات

دورات التنمية البشرية.. جدلية الأكاديميين وانطباعات المشاركين

blogs محاضرة

قبل بزوغ عصر شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار الانترنت بوضعه الحالي وبعد سقوط نظامه الشمولي غزا أسواق العراق أجهزة استقبال القنوات الفضائية بعد حرمانٍ دامَ ردحاً من الزمن وبعد فترة وجيزة أفتُتح إحدى القنوات التي اختلفت في مضمونها الإعلامي عن القنوات الأخرى. ومن هناك وعبر برامج هذه القناة تعرف أغلبنا على التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية ولعل القناة كانت من أهدافها الترويج لهذه الفكرة ومن ثم الربح المادي من خلاله. هكذا كانت بداية أغلبنا للتعرف على هذا المفهوم الجديد الذي يحلو للبعض أن يسميه بعلم التنمية البشرية. وانتشرت في طول المنطقة وعرضها دوراتٌ في مجالات التنمية البشرية وكانت أغلبها تُقام بمبالغ طائلة لمدربين مشاهير على مستوى المنطقة والعالم. وكغيرها من الدورات كانت انطباعات المشاركين فيها متباينة. فمنهم مَن أنطلق من خلالها مسرعاً لتحقيق النجاحات وأخرين مَن لم تُضف لهم أي جديد.

وتوجهت في تلك الفترة ولا زالت ليومنا هذا ونحن نكتُبُ هذه السطور اهتمام الكثيرين وبخاصة الشباب منهم نحو اقتناء ومطالعة الكُتب التنموية. وفي ضوء هذا الاهتمام المتصاعد أقتحم مُدربون طوارئ هذا المجال وبدأوا بتنظيم دوراتٍ والإعلانِ عنها عبر وسائل شتى. فكانت أغلب هذه الدورات ذا نتائج سلبية أكثر منها إيجابية لما تحويه من أفكارٍ هُلامية وجُملِ براقه يعجز عن تحقيقها المدربون أنفسهم فضلاً عن المتدربين. وهنا ثارت حفيظة الأكاديميين وأعلنوا حرباً ضروساً على تلك الدورات التي تهدم التكوين المعلوماتي المبني على التدرج والاختصاص. ليحافظوا من وجهة نظرهم على ما تبقى من عقول الناس وبخاصة في ظل تردي وتدني مستوى الجامعات في البلدان العربية والتي تأتي في ذيل التسلسل العالمي ضمن التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم. ووصف أصحاب الشهادات والخبرة بعض المدربين في مجال التنمية البشرية ببائِعي كلام وحذروا الناس منهم ونظروا لعدم المشاركة في ذلك التهريج حسب وصفهم.

لتنمية البشرية ليس شراً مطلقاً كما يصفه البعض ولا هو مفتاح النجاحات من وجهة نظر الأخرين إنما هو سلاح ذو حدين
لتنمية البشرية ليس شراً مطلقاً كما يصفه البعض ولا هو مفتاح النجاحات من وجهة نظر الأخرين إنما هو سلاح ذو حدين
 

ورغم هذه التحذيرات إلا أننا نرى إقبالاً شبابياً لافتاً على حضورِ هذه الدورات التي تلبي طموحاتهم وتغذي حاجتهم النفسية في المديح والثناء والتي غالباً ما يفتقدونها في الحياة العادية وحتى أحياناً الأكاديمية. وبين مَن ينادي ببتر هذه الأنشطة في مجتمعاتنا ومَن يعتقد بجدواها وينافح في الدفاع عنها نعتقد أن ثمة حروفٍ تحتاج لنقاط. فالتنمية البشرية لفظةٌ مطلقة حُذف منها كلمة المهارات التي تندرج تحتها الكثير من الخبرات البشرية كالمهارات النفسية والقدرة على التكيف مع ضغوطات الحياة والمهارات الذهنية التي من خلالها يستطيع الإنسان التفكير والتحليل وربط مسار النتائج بالأسباب. وكذا المهارات البدنية. فمن الأصوب القول تنمية المهارات البشرية وعدم حذف الكلمةِ منها.

وأحياناً يذهب بعض مدربي المادة بتسميتها وتصنيفها من ضمن العلوم العامة وهذا غير دقيق من وجهة نظري والأصل فيه أنهُ هدفٌ وليس علمٌ قائم بحد ذاته. ومن أجل تحقيق هذا الهدف نحتاج لمجموعة علوم يجب على المدربين التمكن منها كعلم النفس وعلوم الإدارة والقيادة وعلم الاجتماع وغيها من العلوم وكلٌ حسب تخصصه. ومن الضرورة بمكان الإشارة لبعض مشاكل هذه الدورات ومثالية طرح مدربها أحياناً مما يوهم بعض المشاركين أن بإمكانهم أن يكونوا أي شخص نظراً للإمكانيات المتوفرة فيهم. ورغم إقرارنا بوجود الإمكانيات لكن لا بد أن نعرف القوانين والنواميس الكونية التي أحياناً ما تحد من بعض هذه الإمكانيات. لذا كان لزاماً على المدربين وضع الأسس العلمية والأكاديمية بعين الاعتبار ومن ثمَ الحديث عن الإمكانات الكامنة والمكبوتة داخل الأفراد.

 

وفي الختام من الإنصاف أن نقول استطاعت بعض هذه الدورات والبرامج وكذا الكتب من غرس مفاهيم إيجابية لدى بعض الشباب وبخاصة الذين استفزت فيهم النشاط ولم يكتفوا بدورة فقط بل عززوا ذلك بمطالعة الكتب الخارجية لتطوير ذواتهم وإعادة رسم صورة ذهنية أكثر رُقيا ومن ثمَ عودة الثقة المفقودة التي هي أساس الانطلاق. فكانت أيامهم أكثر انضباطا وأوفر هدوءاً من غيرهم ورسموا أهدافاً وصلوا لبعضها ولا زال الوصول لبعضها الأخر مبتغاهم. فالتنمية البشرية ليس شراً مطلقاً كما يصفه البعض ولا هو مفتاح النجاحات من وجهة نظر الأخرين إنما هو سلاح ذو حدين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.