شعار قسم مدونات

العرب وإيران والثالوث الأمريكي الجديد

blog sمايك بومبيو

لم تستطع القيادة الإيرانية ان تخفي قلقها من قرار الرئيس الأمريكي الأخير القاضي بإقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون وذلك لإدراك الإيرانيين بأن هذا القرار هو نهاية للسياسة الأمريكية المرنة تجاه إيران التي بدئت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

فعلى الرغم من أن الرئيس ترمب لم یخفي تهدیداته العدائية للنظام الإيراني حتى قبل فوزه بكرسي الرئاسة، إلا أن إدارته لم تتخذ خطوات عملية ضد الحكومة الإيرانية حتى هذه اللحظة وذلك لأن الخارجية الأمريكية ما زالت تدار من قبل مسؤولين عینوا في عهد الرئيس أوباما والمعروفين بتمسكهم بالسياسة الأوباماویة المرنة تجاه إيران. بالإضافة إلی ذلك، فان وجود تیلرسون کان سببا آخرا في استمرار السیاسة الأمریکیة المرنة تجاه إیران. حيث أن تیلرسون معروف بصداقته الشخصیة للقیادة الروسية التي باتت الحلیف الاستراتيجي للنظام الإيراني والداعم الرئیسي للسیاسة الإیرانیة التوسعیة في منطقة الشرق الأوسط.

بلا أدنی شك، رحيل تيلرسون سيساعد وبشکل دراماتيکي علی تغييڕ جذري في السیاسة الأمریکية وإن إدارة ترمب ستقوم باتخاذ خطوات تصعيدية ضد إیران خاصة إذا ما علمنا أن خليفة تیلرسون هو مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ال(سي آي إيه)، مايك بومبيو، المنتمي إلی التيار اليميني المتشدد والمعروف بمواقفه المناهضة للنظام الديني في إیران.

الرئیس ترمب ومايك بومبيو وجون بولتون علی العکس من أسلافهم، يهددون علانية بالانسحاب من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في 2015

بعد أقل من إسبوعین علی تعین مايك بومبيو، قرر الرئیس ترمب تعيين جون بولتون، المعروف هو الآخر بعداءه الشديد للنظام الإیراني وتعاطفه العلني مع المعارضة الإيرانية المسلحة، مستشارا جديدا للأمن القومي الأمريکی. هذه التعيينات الجدیدة جعلت المخاوف الإیرانية تتجلی للعلن أکثر من ذي قبل. حيث بدأت السلطات الإیرانية وکأنها في حالة هلع اذ أنها تعتبر جون بولتون عدوها اللدود. بولتون صرح أکثر من مرة وفي مناسبات عدة منها عند مشارکته في مؤتمر منظمة مجاهدي الخلق الإیرانية المعارضة في عام 2017، أنه لا یرید للنظام الإیراني الحالي أن یکمل عامه الأربعين وأنه يؤيد استخدام القوة للإطاحة بـ "الجمهورية الاسلامية".

الرئیس ترمب ومايك بومبيو وجون بولتون علی العکس من أسلافهم، يهددون علانية بالانسحاب من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في 2015. وهذا ما عبر عنه السيناتور الجمهوري، بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي الذي أکد عزم الرئیس ترمب علی الانسحاب من هذا الاتفاق في الأسابيع القليلة القادمة.

بعد هذه التعيينات الجديدة في الإدارة الأمريکية، تری طهران أن نتائج هذه التغييرات قد تتعدی خروج الولایات المتحدة من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإیراني إلی صدام عسکري والإطاحة بالنظام الحالي علی غرار ما حصل في العراق في عام 2003، خصوصا ان الدول الجوار الإیراني القريبة من إدارة ترمب وخاصة الخلیجیة منها لم تخفي ترحيبها دوما بفكرة استنساخ التجربة العراقية في إیران واستعدادها لتحمل التکالیف المالیة لإنجاز هذه المهمة.

في المقابل، يحاول الرئیس ترمب أن يظهر وکأنه مستعد لخوض هکذا حرب مقابل حصوله علی مکاسب مالیة ضخمة من السعودیة والإمارات ولکن کل الموشرات الواقعية تدل علی أن إدار‌ة ترمب لن تقوم بهذه المغامرة وهو يری في الخلافات السیاسیة الإقلیمیة وخاصة الصراع العربي الإیراني مجرد فرصة ذهبیة للحصول علی أرباح اقتصادیة. فقبل أیام قلیلة، عندما خیر الرئیس ترمب السعودیة بین دفع تکالیف الحرب أو مغادرة القوات الأمریکیة للأراضي السوریة وبالتالي وضع المصالح السعودیة في الخطر، لبت القیادة السعودیة وعلی الفور المطلب الأمریکي!

إذا أرادت المملکة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تلحق هزيمة حقيقية بالمشروع الإيراني، فلابد من تغييرهما لسياساتهما الخارجية الإقليمية منها والدولية
إذا أرادت المملکة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تلحق هزيمة حقيقية بالمشروع الإيراني، فلابد من تغييرهما لسياساتهما الخارجية الإقليمية منها والدولية
 

من جهة أخری، وکعادته عند تعرضه لتهدیدات حقیقية وضعوطات خارجیة، یحاول النظام الإیراني التراجع قلیلا عن تدخلاته السلبیة في الشؤون الداخلية للدول العربية. حيث بدء بعض المسؤوليين الإیرانيين في الآونة الأخيرة بالتحدث عن ضرورة إجراء الحوار لحل الخلافات السیاسیة بین دول المنطقة في محاولة جديدة من النظام الإیراني لتضییع الوقت وخداع العالم وعرب الخلیج علی وجه الخصوص إلی حین زوال الضغوطات الدولیة. وما کانت مقالة وزیر الخارجیه الإیراني جواد ظریف الأخیرة والذي دعی فیها إلی ضرورة تبني الحوار مع دول المنطقة إلا محاولة جدیدة للنظام الایراني لخداع العرب مجددا عبر جرهم إلی حوار غیر مجدي إلی أن تنتهي الصغوطات الأمریکیة علی الإیرانیین لتعود الحلیمة إلی عادتها القدیمة في دعم المیلیشیات الإرهابیة في الدول العربیة.

لا شك في أن التعامل الأمريکي سيتغير وأن الثالوث الأمريکي الجديد (ترمب، بولتون، بومبيو) سیعيد فرض العقوبات السیاسة والاقتصادية علی إيران وسيزید من عزلتها إقليميا ودوليا. الصرامة الأمريکية الجديدة تجاه إيران ستکون بقدر إستجابة العرب للمصالح الاقتصادیة الأمريکية، أما إستنساخ التجربة العراقية في إيران أي تغيير النظام عن طريق الإجتياح العسکري فيبدو ذلك مستبعدا علی الأقل في الوقت الراهن.

 

فرغم استعداد بعض العرب لتلبية المطاليب الأمريکية المالية لكنهم ليسوا مهيئين لا من الناحية السیاسية ولا الاستراتيجية لإنجاز هذا الأمر. ففي الواقع، المملکة العربیة السعودیة والإمارات العربية المتحدة باتتا منشغلتين بالانقسامات الداخلیة العربية والخلیجية أکثر من صراعهم مع الإیرانيين وهذا ما جعلتهم غیر قادرین علی ترجمة تهديداتهم الأخيرة للتعامل مع النظام الإیراني بالمثل أي دعم وتقوية المعارضة المسلحة في مواجهة النظام الايراني. ليس هذا فقط، بل لم تستطع السعودية والإمارات علی استغلال المظاهرات الشعبیة الأخيرة في إیران ومنها انتفاضة العرب الأخيرة في الأحواز والاستثمار فيها لتغير الحکم في إيران.

 

لذلك إذا أرادت المملکة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تلحق هزيمة حقيقية بالمشروع الإيراني، فلابد من تغييرهما لسياساتهما الخارجية الإقليمية منها والدولية بدءا بترتيب البيت الخليجي ومن ثم وضع خطة استراتيجية لترجمة التهديدات الأخيرة من الأقوال إلی الأفعال أي دعم المعارضة الإيرانية المسلحة اعتمادا علی النفس لا علی الأمريکيين کما تفعل إيران مع أذرعها الطائفية في العالم العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.