شعار قسم مدونات

أطلقوا سراح الأطفال والمجانين

مدونات - مجانين

كشف تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية أن عدد المجانين في العالم بلغ حتى الآن 36 مليون مجنون رسميا، ومن المرجح أن يتضاعف هذا العدد بحلول سنة 2050، ليصل عدد المجانين العالم إلى 115 مليون مجنون. أما في العالم العربي تحديدا، فلا وجود لمعطيات دقيقة حول عدد المجانين في هذا الوطن، ربما لأننا لا زلنا لم نتفق حول مفهوم واحد للجنون. كل ما استطعنا أن نتفق عليه هو أن لدينا 36 مليون مجنونا في العالم، أي ثلاثة أضعاف عدد سكان تونس. تخيلوا إذا لو أطلقنا سراح كل مجانين العالم ثم جمعناهم في دولة واحدة.

 

منذ سنوات، حاولت عصابة السيطرة على أحد مستشفيات المجانين في إحدى الدول العربية. وعندما سألوا أحد أفرادها لاحقا عن السبب، ذكر أنهم كانوا يخططون لإطلاق سراح المجانين. لا أدري صراحة إذا كان الخبر واقعيا، أم أنه مجرد كذبة أخرى، لكن تخيلوا حقا لو أغلقنا كل المستشفيات، ثم أطلقنا سراح المجانين في كل أرجاء الوطن العربي؟ أو تخيلوا أكثر من ذلك؛ عالما بأسره يحكمه شعب من المجانين، ويضع قوانينه برلمان من المجانين، ويخوض حروبه نيابة عنه جيش من المجانين.. سيكون يوما تاريخيا حقا ذلك اليوم الذي نعلن فيه، مرة أخيرة وللأبد، بداية عصر الجنون، سنغلق كل مستشفيات المجانين ونحوّلها إلى مسارح تاريخية، وسنحوّل كل ميادين الحروب إلى حدائق عامة، ثم سنرقص إحدى رقصات زوربا المجنونة فوق أنقاض هذا الوطن المذبوح من دمشق إلى الوريد.

 

إن كل المحاولات المنطقية لتفسير ما يحدث في هذا العالم من جنون باءت دائما بالفشل، دون أن نتمكن من وضع حد لهذه الفوضى، رغم أننا محكومون بالأمل دائما!

نحن في حاجة لقليل من الجنون أيها العقلاء. ليجتمع كل مجانين العالم في مكان واحد، ثم ليكتبوا معا دستورهم. يمكن أن نجعل الجنون مثلا منهجا دراسيا في مدارسنا أو قانونا للمعاملات في شوارعنا أو حتى مذهبا جديدا في مساجدنا وكنائسنا. ما الذي جناه علينا المجانين حتى نخوض الحروب نيابة عنهم في هذا الوطن؟ لست أنشد بهذا عالما خاليا من الحروب، بل أنشد عالما لا يمكن فيه تبرير الحرب باسم الدين أو الديمقراطية أو أي مسميات أخرى.

 

لم يشهد عالمنا موجة من الجنون مثل التي يشهدها خلال السنوات الأخيرة. بدأ كل شيء مع حرب العراق، ولن ينتهي مع الحرب في سوريا. ومع كل حرب جديدة يولد مجانين آخرون، دون أن نجد تفسيرا منطقيا لما يحدث منذ سنوات في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين.

 

"لولا العقلاء لما وصلنا إلى هنا"، يحكى أنهم عثروا على هذه العبارة مكتوبة على جدران إحدى مستشفيات المجانين المهجورة في إحدى الدول العربية. لنطلق إذا سراح المجانين، لعلهم هم العقلاء الوحيدون بيننا ولعلنا نحن المجانين الحقيقيون في هذا العالم. نحن في حاجة لكثير من الجنون، لندرك أن معاناة الأحياء تبدأ فقط عندما تنتهي معاناة الموتى، أن الذين يموتون على شاشة التلفاز، هم بشر مثلنا من لحم ودم ووطن.. أن الرصاصة التي تصيب غيرك يمكن أن تقتلك أيضا.. من الداخل.

 

إننا بحاجة إلى أن نصاب بلوثة من الجنون حتى نستطيع تفسير ما يحدث في عالمنا من فوضى، أو لنكن عقلانيين للمرة الأخيرة ونتساءل: ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لو أطلقنا سراح المجانين والأطفال في عالم أنهكته الحروب والمجاعات؟ لنعلن إذا قيام دولة المجانين، سنعطيهم وطنا بين الولايات المتحدة والمكسيك، فذلك هو موطنهم الأصلي حسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية، التي أشارت إلى أن 26 بالمائة من الأمريكيين يعانون من مشاكل عقلية ونفسية، أي أنهم مؤهلون لأن يكونوا مشاريع مواطنين صالحين، وقد يكون من المفيد جدا لقضيتهم لو يمكنهم انتزاع وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لهم هناك. ألم يتعرض المجانين للاضطهاد والسجن لمجرد أنهم مجانين؟ لماذا إذا ليس من حقهم أن يطالبوا بوطن قومي لهم حيث ينتمون؟

 

إن كل المحاولات المنطقية لتفسير ما يحدث في هذا العالم من جنون باءت دائما بالفشل، دون أن نتمكن من وضع حد لهذه الفوضى، رغم أننا محكومون بالأمل دائما!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.