شعار قسم مدونات

أحمد الشقيري.. غاندي الإعلام العربي

مدونات - أحمد الشقيري
الإعلام تلك القوة الناعمة التي تحرك الرأي العام وتستميل المتلقي، تغير أفكارا وتحسن وجهات نظر، أصبح هو المربي للأجيال وهو المحدد لأنماط سلوكيات المجتمع، وبين الإعلام الهادم والإعلام الهادف مسافات طويلة يغمرها الزيف والتضليل من جهة، والبناء الثقافي من جهة أخرى. الإعلام ليس مهنة تزاول فحسب بل يتعدى ذلك ليكون رسالة، رسالة إنسانية اجتماعية نبيلة تتطلب قدرا من المؤهلات والخبرات الخاصة، بعيدا عن الوظائف العادية والتي هدفها الكسب المادي ليس إلا. ويمكن القول بأنه أحد العناصر المساهمة بشكل كبير في تشكيل ملامح المجتمعات، وعندما ندقق البحث داخل إعلامنا العربي فنادرا ما نجد إعلاما ذو رسالة تثقيفية. ولن نتحدث عن هذا النوع الراقي من الإعلام دون الوقوف عند مسار إعلامي قدم الكثير للإعلام العربي الهادف، ألا وهو الإعلامي السعودي أحمد الشقيري.

 

أحمد الشقيري الإعلامي ورجل الأعمال السعودي ابن مدينة جدة، أكمل تعليمة الثانوي في مدرسة المنارات، وسافر بعدها إلى أمريكا حيث حصل هناك على بكالوريوس إدارة نظم المعلومات، ثم ماجستير في إدارة الأعمال، عاد بعدها إلى السعودية ليبدأ مساره كرجل أعمال قبل دخوله مجال الإعلام بمحض على حد قوله، وبدأ مساره الإعلامي سنة 2002 عندما قدم برنامج "يلا شباب" رفقة مجموعة من الشباب، برنامج يهدف إلى تسليط الضوء على قضايا شبابية بشكل جديد يعتمد على اللغة البسيطة في ايصال الفكرة وجذب الشباب بأسلوب سلس . وبعد عام من تجربته الأولى شارك الشقيري في تقديم برنامج "رحلة مع الشيخ حمزة يوسف" وكان البرنامج على شكل رحلة رافق خلالها مجموعة من الشباب الداعية الأمريكي يوسف في بلدان مختلفة، وخلال الرحلة طرح الداعية أفكار جديدة عن كيفية التعريف بالدين الإسلامي وبشكل حضاري وعصري متحدثا عن العلاقة بين الإسلام والغرب. وبعد هذا البرنامج جاءت التجربة التي حققت النجاح الأكبر في مسار الشقيري.

 

قدم الشقيري سلسلة كتب مميزة تحمل عنوان "خواطر شاب" وكذلك كتاب "رحلتي مع غاندي" إتماما لما قدمه في برامجه التلفزيونية. ولم يكن ممكنا أن يمر كل هذا المسار الحافل دون اعتراف بمجهودات هذا الإعلامي القدير

في سنة 2005 وبالضبط في شهر رمضان، قدم الشقيري الموسم الأول من برنامج "خواطر" والذي امتد عل مدار إحدى عشر موسما، يقوم البرنامج على فكرة تقدير محتوى هادف، سلط خلاله الضوء على قضايا اجتماعية متعددة وناقش مشاكل مختلفة يتخبط فيها العالم العربي، بأسلوب راقي بعيدا عن الترهيب والترغيب، ولعل ما دفع البرنامج لتحقيق كل ذلك النجاح تقديمه دروسا عملية وميدانية، رصد خلاله ما وصلت إليه الدول الرائدة، قارن بين مختلف الثقافات، وربط قيم العمل والمدنية بقيم الدين، قدم نماذج عن التطوع والإحسان التي يمكن العمل بها لخدمة الأفراد والمجتمعات، وبين كيف يمكن للفرد الواحد أن يحمل على عاتقه مهمة إصلاح مجتمعه.

 

أسلوبه الارتجالي والجذاب في طريقة طرح القضايا ومناقشتها أضفى على البرنامج مزيدا من التفرد في ملامسته للواقع الاجتماعي وتمكن من كسب فئة عريضة من المشاهدين. وفي الموسم الأخير من البرنامج بدأت نشاطات وفعاليات شبابية بالظهور متأثرين بما عرضه البرنامج، لتكون ثقافة الممكن التي كانت شعارا حمله البرنامج منذ بدايته فعلا ممكنا.

 

كم كانت الخيبة كبيرة حين قرر الشقيري التوقف عن عرض "خواطر"، لكن إيمانه بفكرة التغيير قاده لإحداث برنامج جديد تحت مسمى "قمرة" بشعاره "عبر بإحسان"، عمل من خلاله على إشراك الشباب في إعداد مواضيع وأفكار متنوعة، عبر فيديوهات من تصويرهم و تصميمهم تحمل رسائل هادفة وجذابة، وفتح المجال أمام الجميع للمشاركة بأي لغة ومن أي مكان في العالم، وهو الآن بصدد تقديم الموسم الثالث في رمضان القادم.

   undefined
 

بالإضافة إلى هذه الترسانة من البرامج، قدم الشقيري سلسلة كتب مميزة تحمل عنوان "خواطر شاب" وكذلك كتاب "رحلتي مع غاندي" إتماما لما قدمه في برامجه التلفزيونية. ولم يكن ممكنا أن يمر كل هذا المسار الحافل دون اعتراف بمجهودات هذا الإعلامي القدير، فقد كرم سنة 2008 كأقوى شخصية مؤثرة بالعالم العرب في استفتاء أجرته مجلة " شباب 20 " وبعدها بسنة اختير من قبل "مركز التفاهم الإسلامي المسيحي " ضمن قائمة الشخصيات ال 500 الأكثر تاثيرا في العالم الإسلامي، وفي سنة 2010 احتل الشقيري المركز الأول كأفضل شخصية إعلامية شبابية في ملتقى الإعلاميين الشباب الثالث بالأردن. وكانت هذه التكريميات بمثابة شكر لرجل كرس حياته لخدمة الإعلام التثقيفي الهادف.
 
"إحسان" كان هو الشعار الذي رفعه الشقيري طيلة سنوات عدة، فأحسن في تقديم إعلام هادف في وسط غثاء الإعلام المعاصر الهادم والذي تفنن في كل شيء إلا في تقديم محتوى ذو قيمة إنسانية ثقافية نبيلة فماذا غير برامج الرقص والغناء، توقف الإعلام عند منصات نشر التزييف والتضليل، وحتى من أخد المبادرة للإصلاح فلا يتجاوز حد الرثاء والبكاء على حال لم يعد يبشر. كم نحن محتاجون إلى لمسة إعلامية تخدم مجتمعاتنا وترتقي بها، وكم نحن محظوظون بإعلامي من قيمة الشقيري، أعطى فأحسن العطاء وبصم اسمه ضمن خيرة الإعلامين العرب، ليمضي على مسار حافل قدم خلاله الاستثناء طيلة سبعة عشر سنة. فمتى يكون الإعلام الهادف قاعدة لا استثناء؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.